أ. د. حسن نيازي

في سبتمبر 2020، نشرت صحيفة «الجارديان» مقالا افتتاحيا أحدث دويا كبيرًا بعنوان، «كتب الروبوت هذا المقال بأكمله، فهل أنت خائف بعد أيها الإنسان؟» وبالفعل تمت كتابته بواسطة اللغة المتقدمة للذكاء الاصطناعي، الذي يكتب نصًا باستخدام خوارزميات التعلم المتعمق يشبه نص الإنسان. في المقال ذكرت الآلة أنها لا تشكل تهديدًا للبشرية، وقدمت عبارات تطمين مثل «يجب على البشر الاستمرار في فعل ما يفعلونه، يحبون ويكرهون، وسأجلس خلفهم وأدعهم يقومون بعملهم».

بدا المقال مثيرا للإعجاب. لقد صاغت الآلة وجهة نظرها، بمقدمة مميزة وجسم رئيسي وخاتمة واضحة. حتى إنها حاولت أن تستميل العواطف مقدمة نفسها كضحية لـ«تراجع الثقافة». وأبدعت فقالت «لم يقدم الموظفون سببًا واضحًا لرفض مقالاتي، ربما كان ذلك لمجرد أنني ذكاء اصطناعي». وسبحان مَنْ جعل الآلة تخاطب البشر «ويخلق ما لا تعلمون».

أثار المقال أيضًا سؤالًا في دوائر الاتصال: ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على العلاقات العامة؟ شاهدنا الكاتب الآلي والمذيع الربوت، فأين العلاقات العامة من ذلك؟

إن صناعة العلاقات العامة تتكيف ببطء مع التقنية. بدأت الوكالات الدولية في تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي في تأدية وظائفها، للاستفادة من قدراته وتبسيط عملياتها، وخلق تجارب جديدة تعزز قيمة المنظمة. إنه يساعد في أعمال مثل إنشاء التقارير، وصياغة رسائل البريد الإلكتروني والبيان الصحفي، ورصد الملاحظات الصحفية ونشرها، وتحويل الكلام لنص، وإنشاء قوائم بالوسائل شديدة الاستهداف. وتضيف الأتمتة والروبوتية والتعلم الآلي فوائد للمهنة تقلل المهام المتكررة، وتسرع الإنجاز، مما يتيح التركيز بشكل أكبر على وضع الإستراتيجيات. ومع حلول الذكاء الاصطناعي، يمكن اتخاذ خيارات مستنيرة من خلال الاستفادة من الرؤى القائمة على البيانات. فمثلا، لدينا الآن أدوات تتيح لنا معرفة كيفية تفاعل الصحفي مع المحتوى الخاص بنا وعدد المرات. باستخدام هذه الأفكار، يمكننا تعديل نهجنا وتكييف الرسائل مع اهتماماته. يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين الجانب التحليلي لأعمال العلاقات العامة. فالبرامج التي تدعم الذكاء الاصطناعي مثل Brandwatch وTalkwalker مفيدة في جمع البيانات الضخمة وتحليلها لوضع الإستراتيجيات باستخدام الرؤى المستندة إلى البيانات. إنها لا تساعد فقط في تنفيذ برامج توعية أكثر استهدافًا للمؤثرين، ولكنها تسمح لممارسي العلاقات العامة بإنشاء مواد شديدة التحديد تتماشى مع اهتمامات جمهورهم.

يمكن لمعالجة اللغة الطبيعية فحص المحتوى، الذي كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وقدمه المؤثرون في وسائل الإعلام، واقتراح أفضل وقت لإرسال البريد الإلكتروني الخاص بالحملة أو النشر على وسائل التواصل. تطلع أدوات بسيطة مثل Atomic Reach وArticle Forge على ملايين المقالات لتقديم هذه الأفكار، التي تساعد في الوصول للمؤثرين المناسبين في الوقت المناسب، ومراجعة المحتوى وتحسينه.

على الرغم من مزاياه المختلفة، يتهم الذكاء الاصطناعي باستبعاد البشر وتقليص الوظائف. صحيح أن القلق من الإزاحة موجود، ولكن الخطر الكبير يتمثل في شبح الوقت المتاح لممارسي العلاقات العامة وضخامة البيانات.

إن التدخل البشري لا يمكن القضاء عليه. رغم أن الذكاء الاصطناعي قد يكتب نشرات صحفية أو ينشئ قائمة بالإعلاميين، إلا أنه لا يمكن أن يصطحب الصحفي لتناول الغداء، أو أن يقنع المسؤول بمسألة. لا يمكن استبدال العلاقات ببيانات في مهنة تقوم على العلاقات.

لا يتمتع الذكاء الاصطناعي بقدرات معرفية، ولا يمكنه العمل ذاتيا حتى تدخل المعلومات والمتغيرات إليه. ورغم أنه في افتتاحية «الجارديان» كان رائعا، إلا أنه لا يمكن اعتباره مؤلفًا، إنه مثال على التأليف بالبرمجة اللغوية العصبية، وهو أمر غير ممكن بدون مدخلات وتدخلات بشرية.

masskfu@gmail.com