عبدالعزيز الذكير

قرأت قولا لأحد رجال الأعمال عن السيارات في بلادنا، وتاريخ دخولها واستعمالها. وكرر الراوي قولا يذكر فيه أن بعض أهالي القرى قدموا البرسيم لأول سيارة مرت ببلدتهم، معتقدين أنها حيوان. وسمعنا بهذا القول من أكثر من راو، لكن الرواة لم يستندوا إلى أي أحد بعينه يقول إن هذا قد حدث. وأرى أنه مبالغة تفتقر إلى الدقة والصواب.

فأولا: إن الأنعام معروفة رعيا وحملا وأكلا ووحشا وزاحفا منذ القدم، وجاءت في التنزيل إحصاء. «والخيل والبغال والحمير لتركبوها» فمن أين يأتي حيوان على شكل «موتر»، كي يطعمه «متبرعون!» البرسيم. هذه تسلية جاء بها أحدهم والقليل يصدقها.

ثانيا: كيف يتبرع أهل البلدة بتقديم «الغذاء» لذاك «الحيوان» الركوب، دون علم صاحبه أو -على الأقل- استئذانه. ولو استأذنوه لصحح اعتقادهم أو كحديث يروى أن أخوين عادا إلى بلدتهما في نجد من الهند ودأب أحد الأخوين بسرد قصة سفرهما بالبحر على ظهر مركب يحمل الكثير من الناس والبضائع، ولما تمادى في السرد وشعر باستغراب القوم قال للسامعين: وسلوا أخي. لكن الأخ لم يؤيد وجود مراكب تحمل الناس والبضائع دون أن تغوص.

وقد سمعت تلك الخرافة في مجلس هنا في الرياض، وكان بودي وبوسعي القول إن المراكب معروفة من عهد نوح عليه السلام، ومن غير المنطق أن تكون مجهولة لأهل بلد قرؤوا القرآن الكريم.

أتيت بتلك الحكاية للسياق فقط. وموضوعي ليس هذا. موضوعي هو أن هذا العدد الهائل من السيارات التي نملكها لم تمنحنا حتى الآن التأهيل اللازم لفتح ورش نموذجية سعودية عملا وإدارة. لو كنا فعلنا ذلك من أيام «البرسيم!» لأصبحنا قوما يصدر خبراته الميدانية إلى دول الجوار في كل المركبات المدنية والعسكرية والإسعاف والرافعات وآليات مكافحة الحريق والإنقاذ ودفن المعابر والممرات للجيش لمعايير وأغراض دفاعية ولوجستية لا يستغني عنها أي جيش في العالم..

كانوا في السابق يسافرون باللوري المحمل بالبضائع والركاب عبر الصحراء. واعتمادهم بعد الله على ما لدى السائق و«المعاون» من فطنة ميكانيكية وخبرة تجعله يوقف السيارة ليستبدل قطعة أو ليزيد الزيت، بمجرد سماعه صوتا غريبا في الماكينة. كان الركاب في رحلات اللواري يكرمون السائق ومعاونه ويزودونه بأطايب كالكليجا والبيض المسلوق، وما ذاك إلا لضمان حرصه على المركبة وراكبيها، فتغير بسيط في مزاج «السواق» ليس في صالح الرحلة كلها.

هل لاحظتم كثرة عربات نقل السيارات المعطلة «السطحات» في مدننا وعلى طرقنا السريعة. ربما ستقترب يوما من عدد السيارات التي يملكها الأهالي وتلك الظاهرة إثبات مشاهد بأننا مجتمع استهلاك لا مجتمع إنتاج.