نجيب الزامل

نجح الجوال نجاحا مذهلا في عزل الإنسان عن الإنسان، غير الجوال الذكي المعاني والعواطف التي عرفها الإنسان من الخلق الأول حتى ظهوره.. ماذا فعلت يا ستيف جوبز؟!

في داخل البيت الرؤوس محنية بزاوية حادة على الجوال، والعيون والقلوب والعقول كلها في تركيز بؤري عليه، وكأن كل العالم لم يعد موجودا، أو أن العالم الحقيقي ليس الذي يعيشونه ويلمسونه ويدركونه بحواسهم، بل هو العالم الذي سمي - ويا للسخرية - بالعالم الافتراضي، فإذا هو العالم اللصيق الحقيقي. والناس برؤوس محنية في المجالس والمقاهي والاستراحات، حتى شاعت بين المعلمين بفصولهم، والموظفين بمكاتبهم فضعفت أواصر العاطفة الفردية الخاصة، بل ربما تجد أحدهم يتواصل بالجوال مع آخر يبعد آلاف الأميال ويكون أكثر قربا من رفيقه الذي بجانبه!

إن الجوال صار هو الصديق الحقيقي، والرفيق الذي لا يضاهيه رفيق، والناصح والموجه والمربي.. إنه النديم الذي لا يفارق نديمه. كل فكر يأتي بجاذبية تخديرية إدمانية عن طريق الجوال ووسيلته متعة القلوب التي تفتح بابا رئيسا للعقول، فيدخل دون ضوابط كما يدخل الهواء.

خذ ما قرأت بكتاب أجنبي اسمه (داعش Isis) يقول المؤلف في أحد فصوله: «لو كان لـ (داعش) أن تشكر شيئا شكرا تبجيليا لكان هذا الشكر للجوال الذي جلب صبية المسلمين بأعداد غفيرة إلى أحضانهم، والصبايا أيضا».

هل نمنع الجوالات؟ لا، لا يمكن. ليس أمامنا إلا سلاح واحد نواجهه فيه، بما أنه الهاتف الذكي، وهو الذكاء. كيف نكون أذكى من الهاتف الذكي، ونكون أكثر جاذبية منه، هو استخدامه بذاته بطرق تجذب العقول والقلوب لمبادئنا الطيبة. ولن تنفع إلا الجدية في إعمال عقولنا، وليس بالأساليب الوعظية فقط التي ثبت ضعفها وبساطتها.

لا يمكن أن يكون أشرار «داعش» مثلا وغيرهم أذكى من كل خبرائنا ومربينا ومفكرينا. وأعطيكم العنصر الأول لنجاح الخطة، وهو «الاتفاق» على «نهج» واحد وليس عشرات الطرق المتقاطعة، هذا ما يفعله «داعش» والمخربون الآخرون، النهج الواحد.

ملاحظة: هذا المقال كُتب لكم.. بالهاتف الجوال.