أ.د. هاني القحطاني

شهد الأسبوع المنصرم ثلاثة أحداث، منها اثنان إقليميان، وواحد دولي. فقد أعلن الديوان الأميري في أبوظبي انتقال أمير دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد إلى جوار ربه. لا يوازي سرعة انتشار الخبر في مثل هذه الأحداث عموما في منطقة الخليج سوى سرعة ملء فراغ السلطة في موقف يتكرر عند انتقال السلطة في دول الخليج، وهو إجراء يبعث على الإعجاب. ولأن البيت الخليجي جسد واحد، فقد أمر هرم السلطة في الشقيقة الكبرى لدول الخليج بالصلاة على روح الفقيد في البيت الحرام، فيا لها من مشاعر، ويا لها من رابطة أسرية تقفز فوق كل تناقضات السياسة.

وفي حادث وفاة آخر، لكنه مختلف كلية عن سابقه، تابع العالم مشهد مقتل مراسلة تليفزيونية على أيدي قوات الاحتلال بدم بارد. وفي موكب مهيب طافت جنازتها كامل تراب الضفة الغربية إلى أن سجيت في مثواها الأخير بالقدس، وقد تخلل ذلك مشهد آخر تهجمت فيه قوات الاحتلال على الجثمان، في سابقة هزت ضمير العالم أجمع. إذ لم يكتف الفاعل بإسكات صوت المراسلة، بل حاول حرمان الصحفية وأهلها وذويها من جنازة كفلتها لها كل الشرائع السماوية. هذان المشهدان اللذان هزا ضمير الإنسانية سيبقيان طويلا في ذاكرة الفلسطينيين، والعرب، وكل شعوب العالم التواقة لحقوقها الوطنية.

ما فتئت الحرب في أوكرانيا تراوح مكانها من جديد. فقد أقدمت كل من فنلندا والسويد على طلب الانضمام إلى حلف الناتو. وهنا سيأخذ الوضع الجيوسياسي وربما العسكري -لا أحد يعلم على وجه الدقة- منحنى آخر. بداية فقد كان أحد أهم أسباب شن روسيا الحرب على جارتها أوكرانيا هو وقف تمدد الحلف، ليأتي هذا الخبر ويذهب بأهداف موسكو أدراج الرياح. وبالرغم من تقليل وزير الخارجية الروسي من خطورة هذا الإجراء، إلا أن الإقدام عليه من قبل دولتين كانتا حتى وقت قريب تقفان موقف الحياد، بالرغم من العداوات التاريخية لهما مع الدب الروسي، سيترتب عليه لا محالة واقع إستراتيجي وسياسي جديد.

إذ إن بحر البلطيق المنفذ البحري الوحيد لروسيا على الملاحة الدولية -إذا ما استثنينا عنقي الزجاجة لها في البوسفور والدردنيل تحت أعين تركيا بعد عبور البحر الأسود- سيصبح بحيرة للناتو، مما سيصعب من وصول روسيا للملاحة الدولية، وهو العامل الجغرافي الأهم، الذي رسم تاريخ روسيا إلى اليوم. هكذا ستجد روسيا نفسها محاطة بالناتو من كل مكان. وهكذا فبدلا من أن تدحره من خاصرتها الجنوبية الغربية، ها هو يطبق عليها من الشمال والغرب. وهنا يعاد رسم المشهد الأوروبي والدولي من جديد.

ولد حلف الناتو من رحم الحرب العالمية الثانية، وقد واجهه الاتحاد السوفيتي آنذاك بحلف وارسو. غير أنه وفي ظل تداعي ما كان يعرف بالمعسكر الشرقي وحلفائه في أوروبا الشرقية كأحجار الدومينو في نهاية الثمانينيات، بدأ حلف الناتو في التوسع شرقا إلى أن وصل إلى أعتاب روسيا. وما زالت جمهوريات في البر الآسيوي كجورجيا مثلا تطمح إلى الانضمام إليه.

للسياسة أعرافها وطرقها ورجالها. غير أن ما يبعث على التساؤل المصحوب بالاستغراب، هو أن الانضمام للناتو أصبح مطلبا جماهيريا، كما أثبتت الأحداث الأخيرة. ما الذي يدفع بشعوب أوروبا للارتماء في أحضان العم سام. هل هو الخوف من القيصيرية الجديدة ممثلة في رجل المخابرات، الذي دفعت به الأقدار لكي يتسنم مقاليد الدولة، التي جعل منها التاريخ والجغرافيا ندا مكافئا لأوروبا؟. أم أنه نتيجة حتمية لتفوق الثقافة الأمريكية على غريمها السابق؟.

من الصعب الوقوف بدقة على أسباب هذا التحول الثقافي والاجتماعي، غير أن ما بدا وكأنه مجرد نزهة للجيش الروسي قبل عدة أشهر يبدو الآن بهذا التطور الجديد قد دخل مرحلة من التصعيد مازال العالم غير قادر على التكهن بنتائجه.

hanih@iau.edu.sa