د. طرفة عبدالرحمن

مأزق الجمال

هناكمن يملك قدرة حادة على قراءة الجمال بفرادة خاصة عن غيره.. وهناك من يتميز بقدرة إضافية على ذلك، بالاستمتاع بتفاصيل ذلك الجمال بدرجة يصعب على الآخرين بلوغها.. لا أقصد بالجمال هنا، ذاك المعنى والمفهوم الشائع عنه، والذي تعلمنا أن نراه بأعيننا أولا حتى نفهمه ثم نحكم عليه وبعدها نقرر الاستمتاع بتفاصيله.. إنما قصدت ذلك الذي يأخذ مراحله بعكس الطريقة السابقة، فهو يلامس داخلك أولا بطريقة لا تفهمها في البدء ثم يأخذك لمرحلة الاستمتاع به وأثناء ذلك تبدأ بتأمله ورؤيته بعينك لتغرق في تفاصيله وأنت تنظر لها.. نحن بحسب الوضع الشائع نحدد شروط جمال الطبيعة - على سبيل المثال - بمعايير معينة، أحدها قد يكون له علاقة بجو المكان وفسحته والآخر بكمية الشجر والورد فيه، وغيرها من المعايير التي (برمجت الذهن) على شروط الجمال في أي مكان، وذات الأمر ينطبق على تفاصيل أخرى كثيرة في الحياة حتى أننا فعلنا هذا الأمر مع ملامح ووجوه البشر التي اختلفت مقاييس جمالها بحسب الأزمنة والثقافات.. نحن نعيش برمجة شروط الجمال إلى الدرجة التي تجعلنا عاجزين عن فهمه والاستمتاع به خارج الصورة النمطية المرسومة له.. مأزقنا مع قضية الجمال أننا حددنا شروطه ومعاييره، ومشكلتنا تتجاوز أننا أصبحنا عاجزين عن رؤية مكامن الجمال خارج الإطار التقليدي إلى الشعور بأننا غير طبيعيين أو غريبين عندما نرى الجمال والمتعة في الأشياء المخالفة لشروط «برمجة الجمال».. إذا كنت ترى الجمال في الرمال الذهبية وتحت شروق الشمس أكثر من أي مكان مكتظ بالشجر، فأنت طبيعي جدا ولك ذائقة خاصة ولست أقل فهما أو ذوقا ممن يستمتع ويرى الجمال بين النهر والورق الأخضر.. إذا رأيت الجمال في وجه إنسان تحبه، وأسرتك تفاصيل ملامحه، لا تنصت لأي رأي يخالفك فيه.. وبالمقابل لا تقنع بأي جمال لا يلامس ذائقتك ولو اجتمع البشر على إقناعك به.. لا تفوت فرصة الاستمتاع بتفاصيل كل ما ترى جماله، لا تنظر للجمال بأعين الناس، حاول قراءته بعينك.. تأكد أن الأذكياء وأصحاب الذائقة الفريدة لديهم القدرة على قراءة الجمال وتفاصيل الحياة بطريقة مختلفة عن الآخرين.. لتعلم دوما أن الاعتياد والتفكير النمطي ومحاولة الاستمتاع بالطريقة التقليدية يفقدك لذة الجمال والحياة..