• التنسيق الأمني بين دول المجلس يعود الى بدايات التأسيس لمجلس التعاون الخليجي، وهي استجابة فرضتها التحديات والمخاطر الامنية التي شهدتها المنطقة في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات سواء كان نجاح الثورة الايرانية في 1979 وما رافقها من تهديد لتصدير الثورة في المنطقة، أو انفجار الحرب العراقية الايرانية 1980، أو دخول منطقة الخليج في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي واقدام الاخيرة على غزو أفغانستان في 1980، أحداث استدعت ضرورة التنسيق الامني بين دول الخليج.
• بتكليف من وزراء الداخلية لدول المجلس في بدايات التأسيس، تم تشكيل فريق عمل من الخبراء الأمنيين في وزارات الداخلية بهدف الاتصال والتنسيق لعقد الاجتماع الاول بينهم، لبحث متطلبات وآليات التنسيق والتعاون الأمني بين دول المجلس.
احتضنت الرياض الاجتماع الاول لوزراء الداخلية عام 1982م، ومثل الانطلاقة الحقيقية لهذا التعاون وأرسى أسسه وقواعده. تم في هذا الاجتماع عدة أمور: الامر الاول: التأكيد على وحدة وترابط أمن دول مجلس التعاون ومبدأ الأمن الجماعي، حيث جاء في البيان الختامي لهذا الاجتماع: «إن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ وأن أي اعتداء على أية دولة من الدول الأعضاء هو اعتداء على الدول الأخرى واعتبار مسؤولية مواجهة الاعتداء على أية دولة مسؤولية جماعية تقع على جميع الدول الأعضاء»، وأضاف البيان: «إن التدخل من قبل أية جهة كانت في الشؤون الداخلية لإحدى الدول الأعضاء تدخل في الشؤون الداخلية لجميع دول المجلس». الامر الثاني: تم الاتفاق على توقيع اتفاقية أمنية شاملة بين الدول الأعضاء، كما انبثق من هذا الاجتماع العديد من اللجان الأمنية المتخصصة في مختلف مجالات التنسيق والتعاون الأمني. وعلى مدى اكثر من ربع قرن لم ينقطع هذا التنسيق بين دول المجلس، من خلال اجتماعات دورية (سنوية) لوزراء داخلية دول المجلس، تسبقها اجتماعات اللجان الأمنية المتخصصة، وبالتالي شهد التعاون الامني خطوات متقدمة على كافة المستويات.
• كانت أحداثُ 11 سبتمبر 2001 نقطة تحول حقيقية في عملية مكافحة التطرف والإرهاب، ليس فقط في دول الخليج، ولكن في العالم بوجه عام، حيث شهدت السعودية ودول الخليج هجمة شرسة من قبل تنظيم القاعدة في محاولة منه لهز أمن واستقرار هذه الدول.
من تلك الهجمات هجومان كبيران استهدفا العصب الاقتصادي للسعودية، الاول كان في مدينة ينبع الصناعية استهدف مقر شركة (ABB) السويسرية للمعدات الكهربائية، قام به مصطفى الأنصاري أحد عناصر تنظيم القاعدة وهو ممن سبق له الجهاد في أفغانستان ثم في الصومال.
والحادث الثاني: كان هجوم الخبر الذي قاده تركي المطيري على مقر شركة هلبيرتون الأمريكية النفطية ومجمع الحزام، وادى الى اضطراب في أسعار النفط، وغيرها كثير من الاحداث، فمنذ تلك الأحداث بدأت دول الخليج اتخاذ إجراءات صارمة في مكافحة التطرف والإرهاب.
ففي عام 2002 م اقرت دول المجلس استراتيجية أمنية مشتركة ومتخصصة في مجال مكافحة الارهاب، جاءت في وثيقة مكونة من ستة عناصر كركائز لمكافحة الإرهاب تحت عنوان (الاستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب)، ثم في عام 2004 كان الاجتماع الثالث والعشرون لوزراء الداخلية الذي عقد في دولة الكويت، وتم فيه توقيع الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب كآلية من آليات تفعيل استراتيجية دول مجلس التعاون لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب. ورغم ان دول المجلس وقعت في التسعينيات على الاتفاقية الامنية الشاملة التي حدثت فيما بعد، إلا ان اتفاقية مكافحة الارهاب كانت اكثر شمولية فيما يتعلق بقضايا الارهاب وتشكل الاطارين القانوني والتنظيمي لتشريعات خليجية ووطنية موحدة لمكافحة الارهاب. وتنفيذا للاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب، وتعزيزا لجهود دول المجلس في مجال مكافحة الارهاب، تشكلت في عام 2006 لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الإرهاب يحال لها كل القضايا المتعلقة بالإرهاب، تعقد اجتماعاتها بشكل دوري (سنوي) كإحدى اللجان الأمنية المتخصصة.
هذه بعض مساهمات دول الخليج الفاعلة في الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب، الا ان الاعلام الدولي - للأسف - يعمل على تجاهلها متعمدا. اذكر في هذا السياق كلمة للأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - قالها في أحد اجتماعاته: «إن جهودها - أي دول المجلس - كانت محل تجاهل رغم أننا أكثر من عمل في هذا المسار، وأكثر المتضررين بالإرهاب».
• أخيرا دول المجلس عامل استقرار مهم في المنطقة خاصة في ظل هذه التحولات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة بعدما عرف بـ «الربيع العربي»، حيث تحول كثير من الدول إما الى دول فاشلة أو في طريقها الى الفشل، ومع تصاعد الاعمال الارهابية في دول المنطقة التي اتخذت من هذه الدول منصات لعملياتها الارهابية، حيث استطاع كثير من هذه التنظيمات الارهابية بسبب هذه الاضطرابات ان يحصل على كثير من الاموال والاسلحة مكنتها من تطوير ادواتها واساليبها، وبالتالي اصبح من الضروري للمجتمع الدولي التنسيق الامني في مجال مكافحة الارهاب، حيث اصبح الارهاب تهديدا حقيقيا على العالم ككل، ولا يمكن لدولة بمفردها ان تقضي على هذا التهديد.