867 ألف مسافر فقط مروا من مطار هيثرو بلندن، خلال شهر يوليو الماضي، مقارنة بـ 7.8 مليون شخص في نفس الفترة قبل عام.60 محلا.. فقط من أصل 340 متجرا ومطعما ومقهى ومحلات صرافة تنتشر عبر مباني مطار هيثرو، التي فتحت أبوابها نهاية يوليو الماضي.
لندن
- إذا كنت تعتقد أن تجار التجزئة والمطاعم في الشوارع العادية يمرون بأوقات عصيبة بسبب وباء فيروس كورونا، فعليك محاولة بيع أي شيء في مطار هيثرو بلندن هذه الأيام، حيث ستدرك وقتها المعنى الحقيقي لمعاناة التجار في المطارات.
فخلال الأشهر الماضية، انخفضت حركة المرور في محطات المطارات التي كانت مزدحمة في السابق إلى حد كبير، وذلك بسبب مخاوف جائحة فيروس كورونا، والتي أدت إلى إغلاق متاجر البيع بالتجزئة في المطار بشكل ملحوظ، بينما تعمل محلات المشروبات والبوتيكات والمطاعم القليلة المفتوحة بشكل أساسي في المحطات التي لم يعد يأتي إليها أي شخص تقريباً.
وكان لخسارة هذه المبيعات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا تأثير هائل على أعمال مطار هيثرو. فبعد أن زادت إيرادات التجزئة في المطار بأكثر من الضعف خلال العقد الماضي في الفترة بين عام 2009 وحتى 2019، تحقق تلك المتاجر الآن حوالي 25 ٪ فقط من إجمالي إيراداتها المعتادة كل عام.
وتتشابه متاجر المطارات في الاعتماد على مشتريات المسافرين على مستوى العالم. وجلبت مبيعات التجزئة ما يصل إلى 78 مليار دولار أمريكي لمطارات العالم في عام 2018، وهو آخر عام تتوافر بياناته من شركة جينيراشن Generation الاستشارية.
وذلك الرقم (78 مليار دولار أمريكي) أكثر من ضعف الأرباح التي كانت متاجر التجزئة بالمطارات تحققها منذ 10 سنوات، وجاء مدفوعًا بأعداد الركاب المتزايدة. بينما لم يرتفع متوسط إنفاق الركاب في المطارات كثيرًا خلال نفس الفترة، حيث وصل إلى ما يزيد قليلاً عن 18 دولارًا للمسافر فقط، مقارنة بحوالي 17 دولارًا في عام 2009، وفقًا لبيانات جينيراشن، وأعداد الركاب العالمية المتاحة للجمهور.
ولا يفرض مطار هيثرو على تجار التجزئة إيجارًا، وبدلاً من ذلك يأخذ جزءًا من المبيعات، على الرغم من أنه لا يكشف عن المبلغ الذي يتحصل عليه. وفي الأوقات العادية، يمر سنويًا ما يصل إلى 80 مليون مسافر عبر مطار هيثرو، المملوك لشركة خاصة تحمل اسم هيثرو إيربورت القابضة المحدودة Heathrow Airport Holdings Ltd. وخلال ذروة عمليات الإغلاق وحظر السفر بسبب الوباء، اقترب رقم المسافرين من الصفر، وارتفع بشكل طفيف منذ ذلك الحين، ليصل إلى حوالي 15 ٪ من حركة المرور العادية.
ورغم أن لندن نفسها مفتوحة للعمل، إلا أن الغالبية العظمى من المتاجر داخل المطار لا تزال مغلقة، والعديد منها محجوب عن التعامل مباشرة مع الجمهور. ويقول مسؤولو مطار هيثرو إنهم يعملون بجد لإقناع الشركات بالعودة في محطتي المطار المفتوحتين، لكن بعض الشركات لا ترغب في فتح أبوابها، خاصة إذا كانت المبيعات المحتملة لا تستحق النفقات.
وفي الوقت نفسه، أجرى مطار هيثرو تغييرات على تجربة التسوق أثناء فترة الوباء، حيث قام بتوجيه الركاب عبر طرق جديدة ذات اتجاه واحد نحو المتاجر، وسمح بتقديم طلبات الطعام القائمة من خلال استخدام تطبيقات الهاتف المحمول في المطاعم والمقاهي، وأتاح انضمام تجار التجزئة الآخرين الذين يقدمون خدمات التسوق عبر الإنترنت. ويمكن لركاب مطار هيثرو الآن الشراء من المطار في وقت مبكر واستلام بضائعهم وهم في طريقهم إلى بواباتهم.
ويتم القيام بكل هذا للحفاظ على قاعدة عملاء المطار الأثرياء نسبيًا، حيث كان مطار هيثرو قبل الوباء ثاني أكبر مطار في العالم يزوره المسافرون الدوليون بعد مطار دبي. وتحول على مدى العقد الماضي من بيع أساسيات السفر في السوق متوسطة الأسعار إلى بيع السلع الراقية، مثل: حقائب اليد الفاخرة والأوشحة والمجوهرات، حيث يمكن أن تكون مبيعات السلع الفاخرة أعلى ربحية، وأكثر مقاومة للتقلبات السوقية ومخاوف انهيار الصناعة.
وبالإشارة إلى هذا التركيز الجديد على السلع الفاخرة، أبلغ المطار الشهر الماضي عن أعلى ارتفاع له على الإطلاق في متوسط الإنفاق على مبيعات التجزئة لكل مسافر، وذلك بفضل عملية شراء واحدة تمت لخاتم خطوبة بقيمة 65 ألف جنيه إسترليني (85300 دولار) تم شراؤه من متجر تيفاني آند كو Tiffany & Co، الذي أعيد افتتاحه مؤخرًا في هيثرو.
وقال المدير المالي للمطار خافيير إشاف Javier Echave: «نحن على الأرجح أحد أقوى نقاط الدخول إلى المملكة المتحدة، من حيث عدد المستهلكين الأثرياء». لافتًا إلى أن الوباء تسبب في توقف مرور هؤلاء الركاب. مضيفًا: «لكننا نستعد للعودة إلى جذب المستهلكين الأثرياء مجددًا في أقرب وقت ممكن».
ولكن لن يكون الأمر سهلا على هيثرو، وذلك لأن المدرج الثاني للمطار مفتوح جزئيًا فقط، وتم إعادة توجيه جميع الرحلات الجوية عبر اثنين من مباني المطار الأربعة.
وحوالي 60 محلا فقط من أصل 340 متجرا ومطعما ومقهى ومحلات صرافة تنتشر عبر مباني المطار الأربعة فتحت أبوابها مرة أخرى بحلول نهاية يوليو الماضي، وهي الفترة الأخيرة التي جمع المطار بيانات عنها.
وبعض المتاجر غير قادرة على إعادة الفتح؛ لأن المحطة التي كانوا يتواجدون فيها داخل المطار لا تزال مغلقة، بينما امتنع البعض الآخر عن فتح أبوابه؛ بسبب تكاليف التشغيل التي تكون مرتفعة نسبيًا عندما تكون حركة المرور بطيئة. ومر عبر المطار 867 ألف مسافر فقط في يوليو الماضي، مقارنة بـ 7.8 مليون قبل عام. وفي مبنيي الركاب 2 و5، وهما محطتا تشغيل تعملان حاليًا بالمطار، يوجد 62 ٪ من المتاجر مفتوحة، حسب تأكيد مسئولو مطار هيثرو. ويوضح مسئولو المطار أنهم يتفهمون محنة تجار التجزئة.
وقال فريزر براون Fraser Brown، مدير قطاع التجزئة في مطار هيثرو: «نريد أن تفتح متاجر التجزئة أبوابها في أقرب وقت ممكن». مضيفا: «لكننا نحترم أيضا حقيقة أن البيع بالتجزئة هو نشاط تجاري ويحتاج إلى كسب بعض المال».
وكان «ليون» وهو سلسلة مطاعم بريطانية للوجبات السريعة تقدم أكلات مثل شطائر الدجاج الساخنة وكرات اللحم المغربية، من أوائل المطاعم التي أعيد افتتاحها في مبنى الركاب رقم 2 بمطار هيثرو، كما أبقت السلسلة نفسها فروعها الموجودة خارج المطار مفتوحة طوال فترة الإغلاق الوبائي في المملكة المتحدة، وذلك لأنها تقدم وجبات الطعام للعمال الأساسيين.
واستنادًا إلى تجربة سلسلة مطاعم ليون في العمل مع تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي في الفروع الأخرى، قال نيك سكوفيل Nick Scovell، رئيس امتياز ليون: «كان هناك حرص في مطار هيثرو على إعادة فتح أبواب مطعم ليون».
وخفض المطعم عدد موظفي المطبخ بنسبة 50 ٪، كما وضع قواعد تباعد اجتماعي للعملاء. وأتى قرار الافتتاح المبكر بثماره، حيث كان ليون واحدا من مطاعم الوجبات السريعة القليلة التي خدمت الركاب خلال فترة الوباء، محتكرًا الطلبات كلها تقريبًا في المطار لصالحه. ولكن قال سكوفيل إنه مع إعادة فتح مطاعم أخرى في المطار، تراجعت المبيعات مرة أخرى.
في غضون ذلك، يركز تجار التجزئة ومسئولو مطار هيثرو على إعادة التفكير في تجربة التسوق كما يوضح براون، وذلك من خلال وضع حواجز كبيرة على كل المناطق. في إشارة منه إلى الاستخدام المكثف للفواصل البلاستيكية الشفافة في المطار.
أيضًا، يجب على تجار التجزئة الامتثال لقواعد حكومة المملكة المتحدة التي تحد من عدد المتسوقين في المتجر، جنبًا إلى جنب مع متطلبات استخدام معقم اليدين ومعدات الحماية، وهي إجراءات بسيطة نسبيًا بالنسبة لمحلات الأزياء الكبرى مثل بوتيغا فينيتا Bottega Veneta وبول سميث Paul Smith، والتي أعيد فتحها جميعًا في مطار هيثرو 2 أوائل يوليو الماضي.
ولكن التحدي الأكبر يوجد في قسم السوق الحرة العالمية، والذي يكون عادةً عبارة عن منطقة كبيرة يتجول فيها الركاب عبر ممرات العطور والمكياج والمشروبات والسجائر وغيرها من السلع الفاخرة. وقبل الجائحة، كان يتم تقديم مأكولات مجانية للركاب لتجربتها من مطعم بيليز آيريش كريم Baileys Irish Cream، وهم يتجولون بين ممرات العطور، إضافة إلى السماح لهم بتجربة مستحضرات التجميل، ولكن كل هذا ألغي الآن.
وتتعاون دافري إيه جي Dufry AG الألمانية، التي تمتلك وتدير متاجر السوق العالمية الحرة World Duty Free مع مسئولي مطار هيثرو لإيجاد طرق تسمح بإعادة تشغيل أعمالها مجددًا. وفي الوقت الحالي، يوفر المطار طريقًا ذا اتجاه واحد فقط، يتيح للركاب الالتفاف من خلال نقاط الدخول والخروج المحددة قبالة الممر الرئيسي.
وأعادت دافري فتح نصف متاجر السوق العالمية الحرة الخاصة بها، والبالغ عددها 2400 متجر على مستوى العالم، إضافة إلى تقديم بعض اختبارات العطور في عدد قليل من المواقع، بما في ذلك مطار هيثرو. وتقول الشركة إن الموظفين الآن يحتفظون بعينات الاختبار خلف العدادات، ويتبعون روتين صارم للتعقيم بعد كل استخدام.
وتقول شركة لوريال إس أيه L.Oreal SA، أحد موردي المنتجات الرئيسيين لشركة السوق العالمية الحرة، إنها تتطور أدوات الواقع الافتراضي المعزز بسرعة، حتى يمكن للجمهور اختبار مستحضرات التجميل افتراضيا دون تجربتها فعليا.
وبدأت الشركة مؤخرا في إدخال رموز البار كود على المنتجات في مطار هيثرو، والتي يمكن للعملاء مسحها ضوئيًا باستخدام هواتفهم. ويمكنهم بعد ذلك اختبار الألوان والظلال على وجوههم باستخدام كاميرات هواتفهم وموقع لوريال الإلكتروني.
وتقول الشركة إنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان العملاء سيتبنون تلك الطريقة في تجربة مستحضرات التجميل. وأضافت متحدثة باسم لوريال: «ما زلنا في مرحلة التنفيذ».