ووسط توتر العلاقات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمر ترامب في يونيو الماضي بسحب الآلاف من جنود الولايات المتحدة من ألمانيا. ويوم الأربعاء الماضي، رسم وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر Mark Esper خطة الانسحاب. وقال إن الولايات المتحدة ستخفض عدد قواتها في ألمانيا إلى 24000 بدلًا من 36000، مع نقل حوالي 5600 جندي في أماكن أخرى في أوروبا، بما في ذلك بلجيكا وإيطاليا، وعودة الـ6400 الباقين إلى الولايات المتحدة.
ويصف البنتاغون خطوة الانسحاب على أنها «تحسّن مرونته». ولكن رغم ذلك فإن تمركز الولايات المتحدة في ألمانيا - إلى جانب البنية التحتية والمعرفة التي تم اكتسابها هناك على مدار عقود ـ جعله يتمتع بموقع إستراتيجي في القلب الجيوسياسي والاقتصادي لأوروبا. وبالتالي فإن نقل القوات جنوبًا أو غربًا في القارة يشكل تراجعًا، ويقلل من قدرة الولايات المتحدة على المواجهة إذا قامت روسيا بخطوة عسكرية. أيضًا، فمن غير المحتمل أن تدفع الدول المثقلة بالديون مثل إيطاليا وإسبانيا مبالغ أكثر للقوات الأمريكية من ألمانيا الغنية.
وسحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في 2012 و2013 فريق اللواء القتالي (الوحدة الأساسية للمناورة القابلة للانتشار في الجيش الأمريكي) من ألمانيا، ورد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هذه الخطوة بغزو أوكرانيا في عام 2014، والآن قد يفكر الكرملين في القيام بخطوة مماثلة بسبب قرار الرئيس ترامب.
ويقول إسبر إن بعض القوات الأمريكية ستنتقل إلى بولندا، ولكن حتى الآن لا يوجد اتفاق واضح على القيام بذلك. والاقتراح الوحيد العقلاني حتى الآن هو نقل قيادة القوات الأمريكية المسؤولة عن أفريقيا، والموجودة الآن في ألمانيا، إلى جنوب أوروبا؛ لأنها ستكون أقرب بذلك إلى البحر الأبيض المتوسط.
أما بالنسبة للقوات العائدة إلى الولايات المتحدة، فيقول وزير الدفاع الأمريكي إن الكثيرين سيعودون بالتناوب عبر منطقة البحر الأسود. وهذا سيكون مكلفًا، وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في مقال سابق أن التراجع من ألمانيا قد يكلف من 6 إلى 8 مليارات دولار.
وعلى ما يبدو فإن صبر ترامب المشروع على ألمانيا قد نفد، وذلك بسبب فشل الثانية في الوفاء بالتزاماتها الدفاعية لحلف شمال الأطلسي، ودعمها لخط أنابيب الغاز الروسي، وسذاجتها بشأن الصين. وأكد الرئيس الأمريكي على وجهة نظره هذه بإعلانه أن منطقة المحيط الهادئ الهندي أصبحت الآن أكثر أهمية من أوروبا، إضافة إلى نقله بضعة آلاف من جنود الولايات المتحدة إلى آسيا للضغط على برلين.
ولكن الواضح الآن هو أن الرئيس ترامب يقوّض الوجود الأمريكي العسكري في أوروبا بسبب شعوره بالاستياء ورغبته في معاقبة ألمانيا، على الرغم من أن الكثير من القوات التي سيتم سحبها ستنتقل إلى دول لا تتحمّل مسؤولياتها.
يجدر بالذكر أيضًا، أنه وفي خضم حملة الرئيس الانتخابية للترشح لفترة رئاسية ثانية، فإن ترامب بهذا القرار يكون قد هزّ صورته، التي بناها بالعمل على مدار ثلاث سنوات، بوصفه رئيسًا أكثر صرامة في التعامل مع بوتين من الديمقراطيين. وستكون تقلبات سياسة ترامب الخارجية هي الخطر الأكبر الذي يهدد حصوله على فترة ثانية.