عبد الله المديفر

العداء والانتماء

"الانتماء" و"العداء" شكلان يعبران عن الهوية التي نحملها والصفات التي نتمتع بها، والسلوك الذي نقوم به يتأثر غالباً بانتمائنا لهذا الشيء أو بعدائنا له، وهذا الانتماء أو ذاك العداء يخلق طاقة هائلة في نفوسنا تدفعنا لسلوك معين نعتقد صوابه أو نحب أن نمارسه، لأنه يعزز شعور الرضى بالانتماء وكذلك العداء.كثير من الأفعال السلبية التي نعملها هي نتيجة اضطراب في شعور الانتماء والعداء، فعندما يسيطر هذا الشعور علينا يبرمجنا بطريقة سلبية تفقدنا الموضوعية والإنصاف، فتجد هذا المنتمي يدافع عن الشبكة المنتمي لها على طول الخط، ويبحث بانتقائية عالية عن الإيجابيات والحسنات لتتصدر حديثه وخطابه أمام الآخرين، ولا يجب التأكد من صحة المعلومة ما دامت تصب في صالح الكيان المنتمي له، وعلى الطرف الآخر تجده منقبا بارعا عن الزلات ومتصيدا فذا للعثرات عندما يدخل في دائرة العداء، وسيغض الطرف عن الفبركة والمعلومة المغلوطة ما دامت تؤذي الكيان المعادي له.الانتماء وكذلك العداء يأخذان أنماطاً كثيرة وأشكالا متعددة، فقد يكون الانتماء لشخص وقد يكون لأيديولوجيا وقد يكون لتيار وقد يكون لبلد وقد يكون لقبيلة وقد يكون لفكرة، ومثله العداء، فما ينطبق على الانتماء له صورة أخرى في كتاب العداء، ويكون الانتماء سيئاً عندما يكون انتماء مطلقاً، ويصبح العداء مدمراً عندما يسيطر بلا حدود، فهذه الحالة تصيب العقل بالعمى، وتكون دواخلنا مصانع جاهزة لتصدير الظلم والتجني، ولذلك نجد القرآن الكريم يعلنها بوضوح في قول الحق تبارك وتعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فالإسلام لايبرر الظلم لمن يستحق العداء، والانتماء الأهم في معادلة القرآن هو الانتماء للحق، والعداء الأعظم في فلسفة الإسلام هو العداء للباطل، ومن هذا المنطلق فالانتماء للقيم العالية هو أجمل صور الانتماء، والعداء للمعاني الدنيئة هو أرقى صور العداء، ومن تعامل مع القيم والأفكار لن يهمه الانتماء للكيانات البشرية، أو التحفز للعداوات الإنسانية، فالكل عنده خلط بين حق وباطل، وبذلك لن تقف مع أحد على الدوام، ولن تقف ضد أحد على الدوام.التخلص من عقدة "العداء والانتماء" المطلق للكيانات سيفتح لك رحلة تصالح مع الكون، وانطلاقا حرا مع الحياة، وسيجعلك تعيش قصة انسجام مع نفسك لا تجدها في حفر الانتماء وجبال العداء.