عبدالعزيز الذكير

دعونا نفترض أن شابًّا أراد لقاء زميل له من نفس الفئة العمرية فذهب إليه في منزله، وفتح الباب رجل كبير في السن. سأل القادم: فلان موجود؟ وكان جواب الرجل: بُهْ مِيرْ نيْم، فلن يفهم الشاب الجملة التي تعني (موجود لكنهُ نائم).. الرجل الكبير من القصيم.

رأينا أهل التراث اللغوي بدؤوا مناقشة تعدد اللهجات في مناطق بلادنا. وردت فيما قرأنا أسباب لها صلة بالبيئة، وأخرى بالاقتصاد، وغيرنا في نواحٍ أخرى من حياتنا، وما تتطلبه من كدّ وسعي يومي وبيع وشراء وبناء، وعرض وطلب، ومدى اتصال منطقة بما جاورها من الأقطار.

ووجد الباحثون عندنا أن مفردة واحدة قد تُلفظ بطريقة مغايرة؛ لما ينطقها أهل بلدة لا تبتعد عنهم كثيرًا.. تلك المفردة – ربما – ذات صلة بحياة هؤلاء أكثر من أولئك، وتردادها هنا أكثر منه هناك.

• أرى أن لكلّ فئة عمريّة لهجتها الخاصة، أو علاماتها النطقية، فأهل مصر المقيمون عندنا مثلًا يقولون: أنا نازل للقاهرة، وشبابنا في السعودية يقولون: أنا طالع. وفرق كبير بين النزول والطلوع، ومع هذا تعوّدت الأذن على سماع التناقض.

أهل جدة يقولون: طالع مكة، ومَن في مكة يقول: نازل جدّة، وهذا له مسبباته الجغرافية، فالذي يتجه إلى البحر لابد أن ينزل.

صادفت اللغة الإنجليزية مثل هذا التّضاد، ففي بريطانيا يقال للمرشّح نفسه لمجلس العموم SITTING FOR وفي أمريكا STAND ومن عجلة الأمريكان، وركضهم دون الاهتمام بالمصطلح أو المعجم جاؤوا بكلمة RUNNING ليطلقوها على مرشح الرئاسة RUNING FOR PRESIDENCY وهي تعني ركض يركض ركضًا، في لغة المنافسة والسباق والعدْو والجري، وثمة مَثل إنجليزي يقول: الجودة والسرعة قلّما تجتمعان.

وسرعان ما اتسعت دائرة اللهجات في بلادنا. فقبل عقود كان لكل إقليم لهجته الخاصة التي تعرف المتحدث منها وبها، والآن فإن الملاحظ أن الجيل الشاب يتحدّث لهجة واحدة لا هي من هنا ولا هي من هناك.

وبُعيد دخول السيارات منطقة، نجد أنه كان من مميزات السائق البارع، ومصدر تثمينه من ذاته وممّن حوله أن يتكلم بلهجة أهل مكة. فلابد أن يذكر كلمة «يا واد» أو «ايشبك» لكي يتذكر السامع أنه جاء من مكة وذهب إليها مرارًا، واكتسب المران الكافي، وخالط أناسًا غير أهل منطقته.

الصبح من قصر ابن بطّاح

والعصر من بين الاعلامِ

وهذا دليل كافٍ، لا على سلامة وسرعة «الموتر»، بل أيضًا هو مسافر إلى مكة وليس إلى غيرها.

@A_Althukair