د. محمد حامد الغامدي

* هل أصبحت المعلومة عن المياه الجوفية محيِّرة للباحثين؟ هل أصبحت محيِّرة -أيضًا- لصاحب القرار؟

هكذا التساؤلات تأتي لتكون مؤشرًا على تجهيل الناس بأهمية المياه الجوفية، وقيمتها وخطورة استنزافها الجائر. التجهيل يتفشى بقصد أو بدون قصد، ويعمل على تغييب مشاهد حقائق هبوط مناسيب المياه الجوفية المقلقة. أيضًا تغييب مشاهد جفاف العيون الفوارة التاريخية. لماذا؟ هل نعرف مخاطر التجهيل؟ وتظل واحة الأحساء خير مثال لمَن يشكك ويغالط. إن التجاهل والتجهيل آفة يجب محاربتها لتعزيز استدامة المياه الجوفية لصالح الأجيال القادمة.

* وحتى لا تكون هناك نتيجة سلبية إستراتيجية ماحقة، نتيجة الجهل والتجهيل بأهمية المياه الجوفية واستدامتها، لابد أن تكون هناك حزمة من الإجراءات، على رأسها وجود جهاز إرشادي زراعي يعي رسالته، وينقل الحقائق ويتعامل معها بحكمة، ويعظم أمر المياه الجوفية وأهميتها وقيمتها. وهذا يعني أن عدم توجيه الاهتمام بمجال الإرشاد الزراعي والمائي نذير شؤم يزيد الطين بلة كما تقول العرب.

* إذا كانت الوزارة المعنية عاجزة عن فعل شيء يعزز استدامة المياه الجوفية وتنميتها، ويمنع الطوفان الزراعي العشوائي، فأدعو أن تتولى الجامعات السعودية أمر هذا الإرشاد الزراعي والمائي من منظور إمكانياتها البحثية والعلمية.

* إن الإرشاد الزراعي والمائي نشاط تعليمي، يشكل ركيزة ودعامة لنقل المزارعين من مكانة أقل إلى مكانة أرفع شأنًا ومقدرة، ويعمل على تمكينهم علميًّا من خلال ربطهم بمراكز الأبحاث، والكليات والمختبرات ذات العلاقة. هذا يضمن إمدادهم بنتائج أبحاث هذه المراكز العلمية، وتحويلها إلى تطبيقات ذات منفعة. أيضًا يعمل في الاتجاه المعاكس بتزويد هذه المراكز بمشاكل المزارعين، بجانب الوقوف على احتياجاتهم. نجاح الإرشاد بشقيه المائي والزراعي سيضمن استمرار المهن الزراعية وأيضًا يحقق استدامة امدادات المياه الجوفية دون خلل.

* تقول الدروس والعِبَر في كتابي بعنوان: (التوسع في زراعة القمح والشعير والأعلاف خلال خطط التنمية الخمس الأولى 1970 – 1995م وأثره على المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية)، إن الانحسار الذي ساد في الإرشاد الزراعي، مع وجود فرص عمل أوسع في قطاعات البترول والصناعة، حفز المزارعين على الهجرة إلى المناطق البترولية، والقطاعات الأخرى التي قدمت لهم إغراء ماديًّا عظيمًا. فهل يتم تلافي ذلك حاليًّا وفق إستراتيجية وخطط وبرامج شاملة؟ السؤال هل سننجح بعد أن تعاظم أمر التحديات وتفاقمها؟

* توزع سكان الأرياف والمناطق الزراعية التقليدية على جميع القطاعات غير الزراعية، والتي كانت بحاجة ماسة إلى الكوادر البشرية، أجج التنافس على المزارعين كأيدٍ عاملة ضخامة المغريات المادية التي قدمتها تلك القطاعات لاجتذاب أكبر عدد منهم. ونتيجة لذلك تسابقوا جميعهم نحوها، وأهملوا زراعتهم وهجروها نهائيًّا.

* حدثت الهجرة في ظل وزارة غيّبت الوعي بأهمية بقاء المزارعين في مزارعهم. أيضًا لم تعمل على بقاء المزارعين في مزارعهم، رغم توافر الأموال من الدولة -أيَّدها الله- للقطاع الزراعي بشكل لم يشهد له التاريخ مثيلًا. فهل تستطيع الوزارة إعادة توازن المشهد الزراعي والبيئي والمائي في ظل تحديات يشيب لها الفطيم، وقد تسببت فيها الوزارة نفسها؟

* قلت سابقًا إن الدولة -مشكورة- قدمت خلال مرحلة الطفرة أكثر من (130) مليار ريال للقطاع الزراعي وحده. السؤال: مع هذا الرقم الفلكي، لماذا غادر المزارعون مزارعهم مع أسرهم؟ هل كان السبب البحث عن حياة أفضل؟ لماذا لم تحقق تلك الأموال الفلكية الحياة الأفضل التي كانوا ينشدون؟ هل يعني هذا أن تلك الأموال ذهبت لغيرهم؟ أسئلة لا يتوقف مدادها.

* هل كانت مغادرة المزارعين مزارعهم نهائية؟ ماذا خسرنا كوطن وأمة؟ ما تأثير ذلك على الاستنزاف الجائر الذي تعرضت له المياه الجوفية الإستراتيجية؟

* ما حصل للقطاع الزراعي وأهله من هجر وهجرة يفتح باب تساؤلات علمية تبحث عن علماء يشخّصون ويحددون ويتنبؤون. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

twitter@DrAlghamdiMH