د. محمد حامد الغامدي

n الحديث يتواصل عن خارطة المملكة البيئية والمائية والمناخية الجديدة. وضعتها بهدف تعزيز إستراتيجيتي المطروحة لإنقاذ المستقبل من العطش. هذه الخريطة المهمة تعد إنجازا لجهد ثلاثة عقود من التفكير والاهتمام المتواصل. يقوده فكر مائي إستراتيجي راسخ أحمله لصالح جميع مناطق الوطن حفظه الله. اعتمد هذا الإنجاز على قراءاتي لتحركات الماء الطبيعية على سطح أرضنا وداخلها وفوقها.

n تزداد قناعتي وتتعاظم، لتؤكد لشخصي أن الرهان الإستراتيجي يجب أن يكون على مورد الماء الطبيعي وليس على موارد الماء الأخرى غير الطبيعية.

n بلدنا لا يملك إلا المطر كمصدر طبيعي للماء. ماذا تعني هذه الحقيقة؟ ماذا نستنتج من هذه الحقيقة؟ هل بنينا إستراتيجية مستقبل الماء على هذه الحقيقة؟ أي مخاوف وتحديات تنبئنا بها هذه الحقيقة؟ كيف عاشت وتعايشت أجيالنا التي مضت عبر التاريخ مع هذه الحقيقة؟ أي مهارات وعلم وتراث تركته الأجيال السابقة شاهدا على كيفية تعايشهم وبنجاح مع هذه الحقيقة؟ هل نتعامل مع هذه الحقيقة بشكل كفء لمنع وقوع أجيالنا القادمة في قبضة وبطش العطش؟ هل نوظف العلم والتقنيات الحديثة بشكل كفء لاستثمار هذه الحقيقة؟

n تلك الأسئلة وغيرها أوصلتني إلى مشارف حقائق أخرى جديدة. تجاهلها خيبة ومنقصة. وصلت إلى قناعة بأن أي مصدر آخر للماء غير طبيعي هو أشبه بقنبلة موقوتة تهدد حياة أجيالنا القادمة. ستنفجر يوما إذا اختلت الظروف لأي سبب كان. مع الماء يجب ألا نخضع مستقبل أجيالنا لسطوة الظروف تحت أي وضع كان.

n إن تجاهل المطر كمصدر طبيعي مجاني للماء يحمل في طياته الكثير من المحاذير. إن التوسع في بناء المصادر غير الطبيعية والاعتماد عليها كليا تكتنفه هو الآخر الكثير من المحاذير.

n هناك حقيقة علمية أثبتها العلم تجاهلها يثير التساؤلات. أدعو لتوظيفها مع الماء لصالح الحياة. هذه الحقيقة تقول بأن أي شيء تدخل يد الإنسان في صناعته يترك تحديات ليس لها حدود. إذا سادت هذه التحديات تحت أي ظرف، فهذا يعني نهاية هذا الشيء.

n لا أدعو إلى تجاهل العلم وتقنياته الحديثة. لكن أدعو إلى التعويل على المطر أكثر من أي مصدر آخر غير طبيعي. المطر للجميع، بشر وغير بشر. المطر للبيئة وللإنسان. المطر مجاني وغيره بتكاليف باهظة. المطر نتاج خدمة بيئة وحفاظ على توازنها، وخلافه يناقض هذا القول. المطر أمن مائي يحقق أمنا غذائيا وأمنا بيئيا. المطر يسوقه الله بخارا مع الهواء ويسقط على البيئة المثالية التي تحقق شروط نزوله. هنا يكمن سر إستراتيجيتي ودعوتي لإنقاذ المستقبل من العطش.

n الحلول الاصطناعية تحمل عمرا افتراضيا، وتحتاج للكثير من الإمكانيات، لتحقيق شروط صمودها واستمرار عملها. الحلول الصناعية لا تدوم، لكن عمل الطبيعة يدوم ويجدد نفسه. المطر عمل الطبيعة وجزء من وظيفتها، يأتي في دورة لا تتوقف وظيفتها على الأرض، ماء ثم بخار ثم ماء. القادر على صيد المطر يضمن مصدرا مستداما للمياه. وهذا ما أدعو إليه.

n لنأخذ التحلية كمثال. هي صناعة بعمر افتراضي محدد بسنين قد تزيد أو تنقص عن الخمسين سنة في أحسن الأحوال، وفقا لحسن الإدارة والصيانة، وبتكلفة باهظة. هكذا يزداد قلقي على مستقبل الماء في ظل ندرته، رغم التطور العلمي المتعاظم، الذي سيجعل أجيالنا القادمة تحت رحمة الآخرين.

n شغلني أمر البحث عن حل مستدام لندرة الماء نابع من البيئة لأكثر من ثلاثة عقود. حل يحمل في أنظمته ونسيج مكوناته ومفاصل وظيفته ما يحقق لنا ولأجيالنا القادمة أمننا المائي المستدام وبشكل طبيعي. فكان أن عثرت على الحل. فعظمت إعادة شأنه وأهميته ووظيفته. وثقته وسعيت أن يكون علما شعبيا يطبق، وثقافة شعبية مستدامة لمنهج حياة. إنه تراثنا المهاري المائي طريقنا إلى استدامة النجاة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

twitter@DrAlghamdiMH