محمد الحرز

الإقبال على القراءة وبالتالي الكتابة أصبح ظاهرة لافتة للعيان بين الشباب السعودي في حراكه الراهن واليومي، ويعزز وجودها (الظاهرة) وانتشار تأثيرها سرعة التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة وفق رؤيتها وإستراتيجيتها، للعبور بمؤسساتها ومجتمعاتها إلى مستقبل واعد وقوي، وذلك على جميع الصعد والمستويات المعرفية والثقافية والاجتماعية والفنية والاقتصادية.

وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة في التوصيف، فإن كلمة «الإقبال» لا تفي بالغرض، ولا تشي بأنها سوف تفضي إلى ظاهرة حسبما نراه.

لذلك سأضيف كلمة (هوس) بدلا من كلمة (الإقبال) لتصبح بالتالي (هوس القراءة) حتى يستقيم المعنى عندي، وتكون دلالتها صريحة وتنطبق على معنى الظاهرة.

لكن من جهة أخرى تظل كلمة (الإقبال) لها دلالة معبرة في سياق ارتباطها بهذه الظاهرة، فهي تعني التوجه إلى الشيء دون تبيان طبيعة التوجه نفسه: شغفا وحبا أو تأثرا فكريا أو نفسيا أو فضولا.. وهكذا، يضاف إلى ذلك أن واحدة من معاني الإقبال هو الالتفات إلى الشيء بعد التنبيه عليه، وكأن الإقبال بداية التعرف على الشيء ثم التوجه إليه.

وهذا ما أردنا الإشارة إليه حينما قلنا «الإقبال على القراءة والكتابة» حتى نبين السرعة التي تحول فيها الإقبال - في فترة زمنية محدودة - إلى ظاهرة، وذلك بفعل عوامل فاعلة، من أهمها فضاء التواصل الاجتماعي الذي أتاح الفرصة لخلق شبكة من العلاقات بين الناس، كان فيها التواصل بينهم يرتكز بداية على تقنية القراءة والكتابة (أمامك الكايبورد بحروفه، وأمامك الشاشة، تقرأ ما تكتب وتقرأ ما يرسل إليك من الطرف الآخر) ثم تطورت التقنية ودخل الصوت والصورة في تلك الشبكة، وأصبح بالتالي شكل التواصل الإنساني ليس قائما على القراءة والكتابة فقط، بل أصبح حضور الحواس جميعها بالجسد نفسه هو العالم الافتراضي البديل عن العالم الواقعي.

وهذا يعني شيئا واحدا: أن العالم طرأت عليه تغيرات بنيوية كبيرة، من فرط سرعتها يصعب على الحياة الإنسانية ملاحقتها.

من هذه النقطة تحديدا، يمكن القول أن كل تغير يطرأ على المجتمع وفق تصوراتنا السابقة، سرعان ما يتحول إلى ظاهرة مثلما هي ظاهرة الهوس بالقراءة والكتابة في مشهدنا الثقافي الحالي.

وعلى الرغم من أنه لا أحد في العالم يمكنه الادعاء، أن مثل هذه الظاهرة في أي مجتمع في العالم، تشكل ظاهرة سلبية على المدى البعيد، لأنها من أسباب وجود القوة الناعمة لأي بلد أو مجتمع، والشواهد كثيرة في هذا المجال.

بيد أن ما يعنينا منها في ارتباطها بمجتمعنا السعودي دلالة كلمة «هوس» وما يرشح منها من مواقف وأحداث.

اشتقاقات الكلمة وتصاريفها في المعاجم اللغوية عديدة، ولها معان كثيرة منها: «هوس الشيء: دقه، هوس بالشيء: جن عشقا به. أما الهوس: طرف من الجنون وخفة العقل من أغراضه تضخم الأفكار وانتقالها السريع من موضوع إلى آخر بدون التمييز بين قيم المعاني وسرعة تداعيها».

ولنقم الآن باستعراض جملة من المواقف التي يمكن ملاحظتها بسهولة في حسابات بعض الأفراد في فضاء تويتر، فالبعض يعطي دروسا في تجربته في القراءة وهو لم يتجاوز في خبرته سوى سنين تعد على الأصابع، البعض الآخر يعطي دورة في كيف تكتب مقالا وهو لم يكتب إلا قلة من المقالات، هناك آخر من يضع مقولات مقتبسة من بورخس أو مانغويل عن المكتبة ثم يظن أنه هضم معنى القراءة من العمق. ومجموعة من القارئات يستعرضن الكتب التي قرأنها بطريقة تكشف عن عمق التناقض في الاختيار، وصعوبة الجمع بينها إلا عند الباحث المتخصص.

أخيرا لست ضد الهوس بهذه الظاهرة. لكني ضد التعبير عنها بهذا الشكل من السذاجة والسطحية، بالنهاية القراءة والكتابة خبرة تراكمية، مثل الزهرة تتفتح شيئا فشيئا في ذهنك، فدعها ولا تستعجل عليها.

@MohammedAlHerz