خالد الشنيبر

التستر التجاري جريمة نخرت الاقتصاد السعودي منذ سنوات وحتى يومنا هذا بالرغم من التحذيرات العديدة حول أضراره، والتحرك الذي نراه اليوم يعتبر أساسا لن ينجح بدون تعاون الجميع من المواطنين وحتى المقيمين على أرض المملكة، فالقضية لا تعتبر مجرد قضية اقتصادية فقط، بل تشمل جوانب أمنية ومجتمعية واسعة، وعلينا اليوم أن نعمل جميعا يدا بيد لمحاربة هذه الظاهرة، وألا نجامل كائنا من كان من المخالفين.

في الأسبوع الماضي، دعا البرنامج الوطني لمكافحة التستر كل المنشآت بمختلف أحجامها للاستفادة من الفرصة الأخيرة لتصحيح أوضاعها قبل انتهاء الفترة التصحيحية تفادياً لإيقاع العقوبات الرادعة عليها، وحدد البرنامج الخيارات المتاحة لتصحيح الأوضاع بشكل واضح لكل أحجام المنشآت وقطاعاتها.

وشدد البرنامج على أن الدعوة للفترة التصحيحية تشمل جميع المنشآت المخالفة لنظام مكافحة التستر، خصوصاً التي تبلغ إيراداتها السنوية أكثر من مليوني ريال، حيث تتوجه الرقابة عليها بشكل مركز بعد انتهاء الفترة التصحيحية في جميع الأنشطة، ومن ذلك أنشطة «التموينات، ومغاسل الملابس، ومحلات الحلاقة، وصالونات التجميل، ومحلات الكهرباء والسباكة، والمطاعم ومحلات بيع الفواكه والخضراوات، وورش السيارات والصيانة للمركبات، ومحطات الوقود، والمخابز وغيرها».

مجرد نظرة على سجلات التأمينات الاجتماعية للأنشطة، التي تم سردها أعلاه بالإضافة لمراجعة الأجور المسجلة للموظفين في تلك الأنشطة ستنكشف جميع المخالفات، وأنا على يقين بأن مسؤولي البرنامج مدركون لهذا الأمر، وكوجهة نظر شخصية أرى أن هذه الخطوة هي الأساس في كشف جميع مخالفات التستر في الأنشطة المذكورة.

إتاحة المجال للمنشآت المخالفة لتصحيح أوضاعها لا يعني أن يتم التغاضي عن المخالفات الحالية في حال الإبلاغ عنها، وما أتمناه من الجهات المسؤولة عن مكافحة التستر أن تُعيد النظر في آلية التعامل الحالي من البلاغات، التي يتم رفعها لهم، فمن غير المنطق أن يتم الطلب من المواطن أو المقيم عند الإبلاغ عن شبهة تستر بمراجعة مكاتب الجهة وتزويدهم بإثباتات!، وهذا الأمر حاصل للأسف ولا يخدم الهدف العام من مكافحة التستر، ويسبب إحباطا للمُبلغين في التعاون مع الجهات المعنية، ولذلك من المهم أن تعي الجهة المسؤولة عن التستر التجاري أن مسؤوليتها هي استقبال البلاغات ومن ثم التعامل مع تلك البلاغات بطرقها الخاصة لإثبات الحالة وعدم رمي المسؤولية على الشخص المُبلغ.

أحد أخطر أنواع التستر التجاري، التي من المهم أن نركز عليها بالوقت الحالي عندما نجد تحويل ظاهرة التستر إلى ما يعرف بمنح نسب معينة من الأرباح، بالإضافة للعمولات غير المنطقية، وذلك لإبعاد الشبهات عن طرفي التستر، ولذلك من المهم أن تكون هناك متابعة لتحويلات الوافدين ومقارنتها مع الأجور، التي يتقاضونها حسب العقود الموثقة وسجلات التأمينات الاجتماعية، وهذا الواقع سنجده يتركز في الأنشطة الخدمية بالكيانات الصغيرة بشكل أكبر من الأنشطة الأخرى، ولا يعني ذلك أن التستر غائب عن الأنشطة الأخرى بشتى أحجامها.

حتى نصل للهدف العام والمعني بحماية الاقتصاد المحلي، أوجه رسالة وطنية للمسؤولين عن برنامج مكافحة التستر لمراجعة طريقة استقبال البلاغات في الوقت الحالي حتى يتعاون الجميع معهم، وما نطلبه منهم مجرد قليل من المنطقية فقط لا غير، فنحن جميعاً نعمل لهدف واحد وهو تنظيم وتنظيف الاقتصاد من هذه الظاهرة.

ختاماً: الحملات والجهود التي يقوم عليها البرنامج الوطني لمكافحة التستر لها أثر ممتاز، وهذا الأمر يُشكر عليه جميع القائمين على البرنامج، ولكن مستقبلي البلاغات للأسف غير منطقيين في طلباتهم، فهل نرى تحركا سريعا وتغييرا في آلية استقبال البلاغات حتى يتعاون الجميع معهم؟.

@Khaled_Bn_Moh