أ.د. هاني القحطاني

أبها حزام جبلي (ولنسمه حزام أبها وهو غير الحزام الدائري المعروف بشارع الملك عبدالعزيز). هذا الحزام يحيط بمنخفض فراغي تهيمن عليه سبع قمم تذكر بروما القديمة. هذه القمم هي: الجبل الأخضر (ذرة) في جنوبها، وجبل أبو خيال على مقربة منه، وقمتا كوثران الجنوبي والشمالي في غرب المدينة، فقلعة الدقل، فأم الركب، وأخيرا قمة شمسان بحلتها البهية الجديدة إلى الشمال الشرقي من المدينة. وهذا خط أفق نادرا ما تمعت به أي مدينة. حزام أبها ظاهرة تضاريسية من شأنها أن تجعل من أبها حالة استثنائية في مفهوم التعامل مع المعطيات الطبيعية للمكان.

نشأت أبها مدينة زراعية ومجتمع أبها -شأنه شأن كل منطقة عسير- كان مجتمعا زراعيا، وقد وجدت تلك الثقافة الزراعية طريقها إلى كثير من أمثال المنطقة. ومع تحول المجتمع والبيئة العمرانية إلى حاضرة إقليمية ولضرورة مواكبة التغيرات، التي تصاحب نمو أي مدينة أصبح لدينا اليوم مشهد عمراني مختلف تماما عما قرأناه سابقا.

بداية، فإن تحول المشهد العمراني هو نتيجة طبيعية، بل وضرورة حتمية لعملية التحول الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، الذي تمر به المدينة في مسيرتها التنموية. المدينة (أي مدينة كانت) هي ظاهرة مركبة، بل معقدة بطبيعتها، وهذه حقيقة مسلم بها في علم اجتماع المدن وتخطيطها. وكنتيجة لذلك التطور لم يبق من أبها القديمة سوى النزر اليسير هنا وهناك. وتبقى أسماء القرى (أحياؤها)، التي شكلت المدينة مجرد أسماء في الذاكرة. ويعود بقاء أجزاء من حي النصب إلى جهود أمانة منطقة عسير آنذاك في الاهتمام به.

هذا فيما يتعلق بأبها (القديمة) وماذا عن المشهد العمراني المعاصر لها؟. انظر إلى قممها السبع وقد أتى عليها العمران من كل جانب. ماذا تبقى من ذرة؟ وأين هي قمم أم الركب؟. ماذا حل بوادي المدينة؟. وهل دوارات المرور الكبيرة المسطحة هي الحل المناسب للاختناقات المرورية لمدينة تضاريسية؟. وماذا عن المخططات الشبكية، التي أكل عليها الدهر وشرب، للأحياء الجديدة، خصوصا في غرب المدينة؟ ألم يحن الوقت لاستحداث بدائل عنها؟. وهل تم التفكير ولو للحظة في التأثير البصري، الذي تحدثه خزانات المياه الضخمة المهيمنة على خط أفق المدينة الآن؟، بل وأين العمارة التقليدية بالمنطقة في المشهد العمراني المعاصر لها؟. إنه لمن المستغرب أن ترى عمارة حديثة في بعض مدن المملكة وقد استمدت إلهامها من العمارة التقليدية في عسير، في حين إنك لا تجد بناءً واحدا في المدينة -إلا فيما ندر- يعكس تراثها المعماري؟. هذه المشاهد تطرح أسئلة بديهية حول المرجعية الفكرية وآليات العمل، وترتيب الأولويات المتبعة في التنمية العمرانية لدينا.

تستمد عبقرية المكان في أبها تعريفها من حزامها الجبلي الفريد ومزارعها ووادييها (أبها وضباعه) وشعابها والمناظر الناتجة عن تلك السيمفونية الطبيعية. التنمية العمرانية في أبها هي عمارة، وعمارة بيئة، وتخطيط مدن، وتصميم حضري، وفن تزيين داخلي وتنمية مستدامة في التعامل مع الأرض والمكان. إنها منظومة عمل متكاملة لا غنى لإحداها عن الأخرى. إنها حالة دراسية مثالية قلما توافرت لمدينة أخرى.

هكذا، يجب التعامل مع أبها كما يتعامل الفنان مع لوحته لرسم لوحة فنية اسمها أبها كما عودنا فنانوها. هذه متطلبات أبها، وهكذا يجب التعامل معها، وأقل من ذلك هو تفريط في تقديرنا لها، وفي مسؤوليتنا تجاهها. قد تكون كلفة هذه المتطلبات عالية في نظر البعض (من حيث الوقت والجهد وترتيب سلم الأولويات فقط لكنها ماديا أقل كلفة). وكما قال أبو فراس الحمداني:

تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا

وَمَن خَطَبَ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهر

إن أبها وهي مقبلة على نهضة عمرانية شاملة لفي أمس الحاجة إلى رؤية جديدة كلية تستفيد من دروس الماضي لبناء حاضر ومستقبل مشرق. أبها هبة من الله تستحق شكره، لكنها تستحق منا التفاني في الحفاظ عليها وتطويرها لترتقي لوسمها ولتصبح الوجهة السياحية الأولى في وطن ولا كل الأوطان.

artilligraphy@gmail.com