د. محمد حامد الغامدي

وسط حراك التأمل والتحليل والاستنتاج من قراءة رحلتي في كتاب: الإبحار في عين العاصفة، تذكرت الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. أرسل إلى عمرو بن العاص يطلب وصفا وتعريفا للبحر، ليكون على علم واطلاع واسع بأبعاد محاذيره. كان هدفه اتخاذ قرار أن يركب المسلمون البحر من عدمه؟ فجاء الرد في كلمات مقتضبة محملة بالرسائل، جعلت الخليفة يحجم عن اتخاذ قرار إرسال أمته عبر البحر.

رد عمرو بن العاص يكشف مدى عمق فهمه لرسالة الخليفة، فكان رده حكمة، تحول إلى درس وعبرة. قال: [الناس فيه دود على عود، الداخل مفقود والخارج مولود]. قرأها عمر. فقرر عدم إجبار أمته على ركوبه. فهل أجبرني المؤلف، وهو القائد العسكري، على ركوب بحر كتابه؟ هل كانت دار النشر واعية لهذا عندما قالت الكتاب يهم ثلاث مؤسسات: (التعليمية والثقافية والأسرية)؟ هل هي الرحمة بالأفراد؟ هل هناك هدف آخر لم استنتجه بعد؟ هل كان تضخيما غير مبرر؟ ويطفو السؤال: هل يستحق الكتاب أن يكون مرجعا لتلك المؤسسات كما قال ناشره؟

تساؤلاتي حول تقديم الناشر للكتاب مبنية على مؤشرات ما كتبه المؤلف نفسه في المقدمة. قال: [قمت بتدوين مختارات من مشاهداتي وتجاربي، ومراحل من حياتي خلال حقبة زمنية]. هل ترتقي هذه المشاهد والتجارب لتكون مرجعا لتلك المؤسسات الثلاث، التي حددها الناشر دون غيرها، وهي تمثل حقبة زمنية انتهت بكامل ظروفها؟ ماذا عن المؤسسة العسكرية؟ لماذا لم يذكرها الناشر وهي الأهم؟ المؤلف قائد عسكري في المقام الأول. لماذا غيبها الناشر في تعريفه للكتاب وهو ابنها الشرعي، وهي أيضا ميدان نجاحه ومحور وظيفته وتفوقه؟

مع أسئلة التحليل والاستنتاج، جاء السؤال التالي: هل غيب الكتاب وعنوانه الكثير من المسارات؟ هل حمل مؤشرات محاذير؟ هل قطف ثمار الانتصار على عاصفة يدعيها؟ المؤلف عسكري لم يختر العاصفة للمواجهة، لكنه وجد نفسه بداخلها. هل حملته أم حملها؟ هل كان عليه اختيار عنوانا أكثر دقة من خارج مصطلحات القاموس العسكري؟

• هل جعلت العاصفة من المؤلف بطلا؟ حتى الآن لم أجد العاصفة العسكرية. الشيء المؤكد قدرته على اختيار طريق نجاح المواجهة وفق نظريات ومعايير علمية عسكرية لمعالجة تحدياتها ومواجهتها. ذلكم هو الانتصار الذي وجدته مقبولا ومحببا إلى نفسي. لكن ارتطمت بصخرة حقيقة أن المؤلف لم يقل بانتصاره حتى الآن. لكنه قدم الكتاب وعاء يحمل مشاهده وتجاربه. هل ترك للقارئ إصدار أحكام، وقد وضعه أمام مسرح حقبة زمنية محددة؟ بالتأكيد لحكمنا عمق وفلسفة تثري حياتنا الإنسانية التراكمية لتعظيم الخبرة والدرس والعبرة.

هكذا وصل التحليل والاستنتاج بشخصي إلى مرحلة الولوج في عاصفة محتوى الكتاب، حيث تضاريس تجارب ومشاهد المؤلف عبر بوابة الفصل الأول وعنوانه الصادم، فأبحر بشخصي في عالم الماضي القريب، وجاء التساؤل العاصف: ما علاقة هذا الفصل بإبحار المؤلف في عين العاصفة؟

عنوان الكتاب يقول إن المؤلف وجد نفسه في عين العاصفة. هل كان لديه الخيار لتجنبها؟ هل قادته ليكون أحد أقطاب المؤسسة العسكرية؟ ماذا لو تجنبها؟ هل كان شخصا آخر غير عسكري بتجارب ومشاهد أخرى، وبنفس الجودة؟ ما يهمني في التحليل والاستنتاج المحافظة على هوية المؤلف العسكرية، والإبحار بكم وبنفسي لاكتشاف عين عاصفتها. كنتيجة تساءلت ما علاقة الفصل الأول من الكتاب بشخصية المؤلف العسكرية؟

وجدت الفصل الأول بتضاريس حملت العنوان العاصف التالي: [القبيلة، والأرض، والإنسان]. ثلاث كلمات. كل كلمة عاصفة لوحدها، وتحمل مجلدات عن مفهومها وأهميتها، وتحتاج إلى متخصصين علماء في مجال هذه الكلمات. لماذا أقحمها المؤلف (وبجرأة) في الإبحار في عين العاصفة؟ أي عاصفة يقصد؟ هل هناك عاصفة محددة لم أبلغ ملامحها بعد؟ ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH