د. محمد حامد الغامدي

 رحلتي مستمرة في كتاب (الإبحار في عين العاصفة). بدأت أتلمس الكثير من مزيج بدا غير متجانس، أشبه بخيوط نسيج مختلف الألوان، كل لون يقدم مشهدا لقراءة مستقلة. في النهاية يعطي لوحة عظيمة الرسالة، تحمل الدروس والعبر. حرّك بداية رحلة القراءة هذه تأثير ثقل مسؤوليات ومركز مؤلفه، وكلماته المختصرة في إهداء الكتاب لشخصي: [أهديك جزءا من حياتي وحياتك]. وأيضا من مؤشرات عنوان الكتاب، ومن رسالة لوحة تصميم الغلاف: بارجة تصارع أمواج البحر بسبب عاصفة. جميعها تقدم رسائل توحي وتقول بالكثير عن الكتاب. فأسعى لنقلها إليكم للفائدة.

 مزيج مؤشرات الإهداء، والعنوان، ورسالة الغلاف أشبه بطلاسم السحر رغم وضوحها. قرأتها بدقة، وتعمقت في الاستنتاج. هل تحتمل استنتاجات متعددة ومختلفة الأغراض والأهداف؟ لقد شرقت عبرها وغربت، وجعلتني أبحر بكم في رحلة ستكون طويلة مع هذا الكتاب العسكري التأليف والملامح.

 الرسائل العظيمة دائما توحي وتقول، وبها يكون الإبحار بلا حدود. كنتيجة قادت مؤشرات الرسائل فكري واهتمامي إلى مسارات التيه الاستنتاجية. لكنها مسارات تثير الإعجاب، وتحفز للمزيد، وتعزز حماس نشوة التقدم والاستمرار.

 تحليلي جزء من الاجتهادات. اعتمدت على الفرضيات بحثا عن حقيقة رسائل كتاب لقائد عسكري بحري، يجيد التعامل مع أي عاصفة بحرية حقيقية. كنتيجة أطلقت لنفسي العنان دون قيد. هذا عمّق في نفسي قوة الرغبة الجامحة. هل تحمل هذه الرسائل الشيء ونقيضه؟

 عندما تفكر، فأنت لا تضيع الوقت، ولكنك تجعل التفكير يتوالد لصالح الحياة، تحقيقا لرسالتك الإنسانية. وهكذا كان تفكيري من أجل الإمساك بطرف الخيط لتلمس بداية طريق الإجابة عن الأسئلة، التي أثارتها في نفسي رسائل ذلك الإهداء، وذلك العنوان، وذلك الغلاف.

 أي رسالة يحمل المؤلف ذو الرتبة العسكرية العالية؟ أي عطاء يقدم؟ أي حياة عاش؟ أي معاناة وتحديات واجه؟ أي مستقبل يراه؟ بقي السؤال الأهم أمامي: أي عاصفة يقصد؟ لماذا تحدث عن عاصفة واحدة ولم يتحدث عن مجموعة عواصف؟ هل قصد أن العاصفة، التي واجه لم تتوقف في جميع مراحل عمره؟ هل يعقل هذا؟ هل أبهرته مسيرة حياته؟ هل نسج حكمة تجر خلفها رؤية فلسفية لم أتوصل بعد إلى مسرحها؟ هل جعلت هذه العاصفة حياته مسرحية بمشاهد متعددة، ومتنوعة، حالية ومرّة، حاضرة ومغيبة؟

 نعرف الكتاب من عنوانه. هل هذا الكتاب استثناء؟ لجأت إلى ما ورد على غلافه الثاني لأستوضح. جاء في التعريف كلام مهم ومحير، وبتوقيع الناشر. قال: [تجربة المؤلف في هذا الكتاب غنية بالدروس والعبر). في نهاية كلمته جاء ما يلي: [تعتز بهذا الإصدار]، أي دار النشر]. ثم وصفته (بالممتع). في السطر الأخير جاء الناشر بشيء أشبه بالعاصفة، فقال: [إصدار يهم المؤسسات التعليمية والثقافية والأسرية]. لاحظوا قوله: (المؤسسات). لماذا؟ فدورها رسم الإستراتيجيات والخطط والبرامج. فهل يعني هذا أن الأفراد خارج تغطية الكتاب؟

 لماذا غيب الناشر في كلمته جمهور القراء من الأفراد؟ هل هو التعالي والفوقية؟ وهل هناك مَنْ يقرأ أي كتاب إذا كان لا يهمه كفرد؟ السؤال الأهم: هل الكتاب من الأهمية ما يجعله مرجعا للمؤسسات؟ الجواب سيأتي بعد قراءتي لمحتواه. وقد بدأت فوجدت صفحته الأولى تحمل الآتي: [إهداء إلى زوجتي] في السطر الأول، [وابني] في السطر الثاني، ثم [وبناتي] في السطر الثالث. ثم [وأحفادي] في السطر الرابع، وأخيرا في السطر الخامس [وزملائي في الدراسة والعمل].

 وبعد.. هل جاء الترتيب السابق صدفة؟ المؤلف عسكري يؤمن بالرتب ومعانيها، ويعرف دورها. فهل هذا الإهداء جزء من نتائج مخلفات العاصفة؟ ما هي رسائل ذلك الإهداء؟ هل فهم الناشر مدلولها قبل أن يقدم للكتاب على غلافه الأخير بتلك الكلمات (المهمة والمحيرة)؟ ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH