عبدالعزيز الذكير يكتب:

وُجد في عنيزة أُسر عُرف عنها اتخاذ مهنة التدريس، مهنة يعرفون بها مثل عائلة آل صالح، وأسرة الدامغ، والقرزعي، استأجروا مباني، واتفقوا مع متعهّد أو متعهدة لتوريد ماء الشرب وملء القِرَب يوميا، وأولئك صُنّفوا بالكتاتيب، ولا نختلف في أنهم كانوا لبنات التعليم الأولى في بلادنا.

من بين أولئك الرواد مدرّس كتاتيب اسمه عبدالعزيز المحمد الدامغ، وكنيتهُ ضعيّف الله، اتخذ من غرفة تفتح على الشارع مقرّا، وفي الجانب الآخر من الشارع يقع مسجد فيه منارة تعطي ظلا يجلس تحتها تلامذته، وأدواته التعليمية كانت لوحا من الخشب لكل تلميذ، يُطلى بالغرين ويتجدد سطحه لكتابة درس جديد. وكان رحمه الله يدرّس القرآن فقط.

يجلس الطلاب في ظل المنارة عند ارتفاع الشمس، ويكتظون بالغرفة في الشتاء والأيام المطيرة، ويتلقى المعلّم ريال فضة عن كل تلميذ دوريّا، ولحم الضحيّة من القادرين.

ترجّل ذلك الفاضل في مرحلة متأخرة من عمره إلى قريب له اسمهُ عبدالعزيز الصالح الدامغ وفتح الأخير مدرسة كتاتيب اسمها مدرسة ابن دامغ، أضاف إلى مناهجها الحساب والإملاء، وهو أول مَنْ أدخل النشيد إلى مدارس الكتاتيب. فقد خصص فريقاً متكاملاً من طلابه لإرواء حفلات حفظ القرآن المقامة في المنازل بنشيد معبر. مثل:

نحن الشباب الناهضون + إلى الأمام سائرون

محمد إمامنا + والخلفاء الراشدون

والعروة الوثقي لنا +إنا بها مستمسكون

وقد قسم الأستاذ ـ في ذلك الوقت يقال له المطوّع ـ معهده إلى أربع مراحل (1) الخالي وهم المبتدئون. (2) اليمين. (3) اليسار. (4) الكبار. وعرفنا في ذلك الزمن ذلك التقسيم الجاد، ولكننا لم نكن لنعرف أسباب التسمية عدا رقم (4) وهم الكبار، فهذا واضح.

وأتت اللغة العربية للطلاب سهلة بشيء من الجاذبية عن طريق مادة الإملاء. فكان الأستاذ عبدالعزيز يحتفظ بجواهر الأدب ودواوين أغلب المجيدين. ويملي على تلامذته أبياتاً فيها من الحكم والبلاغة الكثير. وأستطيع القول دون تردد إن ذلك الإملاء كان قاعدتنا وأساسنا في اللغة العربية والخط، ودرب خط وجودنا اللغوي فيما تلاه من علوم.

انتهي إلى الشاعر المعروف إبراهيم المحمد الدامغ، وهو لا يحتاج إلى تعريف، فقد ذاع شعره الوطني.

أحفظ للأخير أبياتا قالها يمتدح مسقط رأسه، حيث قال ضمنها:-

فسوقُها المورد الصافي لكل ندى + وأهلها المنجدون السادة النجبا.

لهم على كلّ نجمٍ سايحٍ فلَكٌ + وسادة يحكمون العلم والأدبا.

@A_Althukair