لمى الغلاييني

لا تسير الحياة دوما بالطريقة التي نرغبها، وهذه حقيقة من أكبر الحقائق، فهل نريد النواح بشأنها أم إيجاد السبل للتواؤم، فلقد جادل الفلاسفة لآلاف السنين عن السبب الذي يجعل الحياة تسير في الطريق الذي تسير فيه، لكن ما يهمنا أننا إذا لم نتقبل الحياة بتقلباتها سنستمر في الرغبة بشيء آخر ولن نحصل عليه أبدا، أو الشكوى والنحيب حول ما يجب أن تكونه الأشياء التي لن تكون كذلك أبدا، وهذا من أثمن الدروس التي لا بد من فهمها عن الحياة، ومتى بدأنا ندرك أن العالم لن يسخر نفسه لجعلنا سعداء، سنبدأ في قبول المسؤولية لأنفسنا، ونسعى للبحث عن وسائل بدلا من النواح بشأن مشكلاتنا، وإن كيفية التعامل مع صعوبات الحياة إحدى الاختلافات الرئيسة بين أولئك الذين ينجحون والذين يفشلون، حيث يحاول الفاشلون تسويف مشكلاتهم أو تبريرها أو العمل حولها وليس في جوهرها، بينما يقبل الناجحون الحياة كما هي بكل صعوباتها وتحدياتها، ويعملون من خلالها، ويتأقلمون معها بدلا من التشكي منها، وعوضا عن اللجوء إلى اللوم وتقديم الأعذار، فهم يقولون نعم للتحديات ويستفيدون منها في استخراج مكامن قواهم الداخلية، لأنهم يؤمنون بأن النجاح هو فيما يعمله المرء وليس فيما يحصل عليه، أي في شرف المحاولة وليس في الوصول، وتكمن معاناة الكثير بغض النظر عن العمر هي أنهم إما لا يدركون أو لا يقبلون حقيقة أن الحياة تتضمن قدرا معينا من المشقة، فهم يقاومون ويتذمرون لأنفسهم وللآخرين حول حجم مشكلاتهم، ويتحدثون وكأن مصاعبهم لا مثيل لها، فالألم شيء محتوم لا يمكننا إخراجه من خريطة الوجود، لكن الشعور بالتعاسة أمر اختياري يمكننا تجنبه من خلال تطوير خيارات شجاعة للتقبل والتعلم، وإن أجدى ما يمكننا فعله عندنا نتألم سواء جسديا أم شعوريا هو في إيجاد بعض المعنى في ذلك الألم، فهو يعلمنا شيئا ما حين نكون على استعداد للتعلم منه، وحين نفعل ذلك سنخرج منه أكثر حكمة وقوة، لأن نجاحنا الحقيقي في الحياة مرهون إلى حد كبير بمدى جودة تعاملنا مع المحنة، سواء هربنا منها أو واجهناها، استسلمنا أو انتصرنا عليها، فنحن نعيش في عالم غير كامل مع أناس غير مثاليين، ولا يمكن لأحد أن يعدنا بحياة خالية من الخيبة، أو بالسيطرة الكاملة، حيث يواجه كل امرئ على قيد الحياة المأزق ذاته، ويظل الفرق في كيفية التعلم والتعامل بطريقة بناءة أكثر، والشجاعة نقطة انطلاق لمواجهة الحياة، ولا يولد أحد وهو يحملها، كما أنها لا تتطلب ميزات خاصة، بل هي قرار صادق بالدخول لأعماقنا والبحث عن مكامن القوة الداخلية، لإيجاد مصدر ذاتي للقوة، ولهذا يمكننا أن نشرح معنى الشجاعة الحقيقة بأنها في قول نعم للحياة رغم الصعوبات، وسندرك حينها أن الأوقات العصيبة ستبرز في النهاية أفضل ما لدينا، فعندما يبدأ الناس بالسؤال الشجاع حول المهم حقا، سيكتشفون الأجوبة الحكيمة، لأننا لا نتعلم حقا إلا حين نكون على استعداد وشجاعة للتعلم، وإن الفرق بين الناجحين وغيرهم ليس في قلة المرات، التي يفشلون أو يتألمون فيها، بل فيما يفعلونه بعدها، وبدلا من تكرارهم لذلك التساؤل الأكثر قدما والأوسع انتشارا؛ لماذا أنا؟ فهم يطورون موقفا إيجابيا إزاء الحياة، وينظرون لها كسلسلة من الفرص والاحتمالات، التي يريدون استكشافها دوما.

LamaAlghalayini@