د. محمد حامد الغامدي

تقود الهجمات البربرية على أهلنا في فلسطين قلوب متوحشة ومتعطشة للدماء كما يبدو. يحدث في وجود القوانين الدولية، فهل هي جزء من أدوات العالم المتوحش؟ هل هي ذراع لتسهيل عمليات القهر والقتل وسفك الدماء، وسلب الحقوق؟ للاستعمار وسائله وأدواته، وتتجدد مع الزمن. هذه إسرائيل الصهيونية.. الذراع الاستعمارية وعاصمتها في منطقتنا العربية.

تربيت أن فلسطين قضيتي. عشت هذا المفهوم. إسرائيل لن تتحول إلى دولة حتى في ظل الاعتراف بها. ستظل حركة صهيونية في يد الغرب. جعلوها دولة بفعل تصويت استعماري، لإضفاء الشرعية على وجودها.

أصبح العالم العربي، لسوء حظه، جزءا من تركة ما يسمى الخلافة العثمانية. خلافة استغلت العرب لقيامها ولتوسعاتها، بوسائل متوحشة باسم الإسلام. فكان أن فتت الغرب المخادع الاستعماري العالم العربي كتركة عثمانية. وفعّل شعاره (فرق تسد)، لتحقيق غاياته بسهولة.

ولاستدامة غاية هذا الاستعمار المتجدد، زرعوا الحركة الصهيونية في فلسطين، لتحقيق أهدافهم على المدى الطويل نيابة عنهم. وحتى يتحقق نجاح أهدافهم، منحوا هذه الحركة الصهيونية صفة دولة في عام 1948م. كان ذلك بالتصويت. فأي منطق إنساني يجعلهم يصوتون على أرض لا يملكونها؟ إنها فكرتهم لصالحهم، وقد تجاهلوا أصوات بقية دول العالم وشعوبه. مَنْ أعطاهم حق مصادرة أرض فلسطين وتشريد سكانها؟ منطق استعماري بغيض. بهذا جعلوا الحركة الصهيونية تعيش تحت مظلة القانون الدولي، وتنعم بمعطياته، وكأنه مُعد لخدمة هذه الدولة غير المشروعة. يحميها حتى بالفيتو الظالم، لتمرير غاياتهم الاستعمارية، رغم أنف الشعوب الأخرى.

في ضوء المعطيات، نحن أمام وضع جديد في التاريخ البشري برمته، فهل استوعبه العرب والفلسطينيون؟ إسرائيل ليست دولة استعمارية ولن تكون. هل استوعب العرب وأهل فلسطين هذا الأمر؟ تظل إسرائيل حركة صهيونية في شكل دولة. هذا يعني ضرورة التعامل مع هذه الحقيقة الاستثنائية عبر التاريخ البشري، وفق إستراتيجية استثنائية أيضا. تحقق نجاح مسار المقاومة وبشكل غير تقليدي.

الوسائل والأدوات التي استعملها العرب للمقاومة غير ناجحة وغير فاعلة. العرب وأهل فلسطين لا يقاومون دولة مستعمرة. لكنهم يقامون ذراع الغرب الاستعماري (إسرائيل)، وقد جعلوها قوية متوحشة وفتاكة بكل الوسائل. الطريقة التقليدية في المقاومة تسببت في هلاك ومعاناة المزيد من أهل فلسطين، وأيضا تسببت في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية.

حماس اليوم حركة خارج نفوذ سلطة دولة فلسطين. هذا وضع يعمق الجراح والخسائر. العرب رسموا الخطوة الصحيحة الأولى، بجعل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني. فهل يحق لحماس منفردة أو لغيرها من المنظمات أن تتخذ قرار المقاومة والحرب على إسرائيل؟

الوضع الحالي شجع أطرافا أخرى معادية للعرب للتدخل لمناصرة هذه الحركات الفلسطينية كل على حدة، وعلى حساب مصلحة القضية الفلسطينية. نتيجة لذلك نجد حماس تتخذ قرارات خارج السلطة الفلسطينية وبقية الحركات الأخرى، وتدفع الثمن ومعها الشعب الفلسطيني المقهور، والعرب المغلوب على أمره. وهذا يعمق المشكلة ولا يحلها.

الرهان الناجح القائم، في جزء منه، هو على عامل الزمن. بجانب وجود مركز لإدارة الصراع على المدى الطويل، حيث ينجز كل جيل جزءا منه لتحقيق الغاية النهائية. وكدليل، هذا الحل السلمي الذي قدمه العرب على حدود (1967) رفضته إسرائيل، لأنها ببساطة ليست دولة. فهل جاء هذا الاقتراح العربي من خارج نطاق فهم فلسفة الصراع وأبعاده؟

في غياب فلسفة الصراع عند العرب، مَنْ يصدق أن الغرب الذي أسس إسرائيل كذراع سيتخلى عنها وعن مصالح تحققها إسرائيل لغاياته الاستعمارية؟ إسرائيل عاصمة الاستعمار الحديث، تتوسع كقوة في كل المجالات بفعل المدد الغربي، بالمقابل هل يتوسع شعار (فلسطين قضيتي) بين العرب؟ ويظل الكلام سهلا، ورفع الشعارات أسهل.

@ DrAlghamdiMH