لمى الغلاييني

هل يهمك أن تعرف كيف تبدو في عيون الآخرين، وما إذا كنت تلعب دورا مغذيا أو مسمما في علاقاتك بمن حولك؟ وهل يمكنك التمييز بين الممارسات الخاصة بكل دور؟ حيث يحتاج المرء منا جهدا صادقا لكي يصبح أشد وعيا لفهم الكيفية التي يدير بها حياته وعلاقاته، ولاكتشاف الإمكانات المتاحة حوله لخلق علاقات مشبعة مشحونة بالمعاني الأجمل، ولا سبيل لذلك إلا بالإصغاء الشجاع لذواتنا، والقدرة على التحاور الداخلي مع انفعالاتنا، والتوقف عن تخديرها المؤقت لتجنب المواجهة، فهذا هو الترياق الفعال ضد السمية النفسية، خصوصا حين يكتشف المرء أنه كلما خلص نفسه من أي ممارسة سمية فسيحرر قدرا هائلا مقيدا من الطاقة التي يمكنه استغلالها في أغراض أكثر إبداعا وإرضاء، فكثيرا ما تهدر جهودنا في أنماط سلوك معيقة، ودوامات استنزافية من الصراعات التي تعيق نمونا وتقتل بهجة علاقاتنا بمن حولنا، وسنحاول التفرقة هنا بين صنفين افتراضيين من الشخصيات، أحدهما «سمي» في أغلب اتجاهاته، والآخر «مغذي»، وقد تتراوح استجاباتنا أحيانا بين الصنفين، إلا إذا ركزنا على زيادة إنماء العلاقات السوية المغذية المشبعة والحفاظ عليها، ويظل ذلك مرتبطا بنوعية ممارساتنا المغذية مع ذواتنا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا بد لكل إناء أن ينضح بما في داخله، فخلافا للشخص «السمي» المحتاج لإمداد متواصل ممن حوله، والذي يستهلكهم لإرضاء حاجاته الذاتية، فالشخص المغذي يقضي حاجاته بنفسه بدلا من إلقاء تبعتها على الآخرين، ويتجنب استخدام مصادره للتلاعب بمن حوله، وأكثر تقبلا للاختلاف وجوانب القصور في شخصياتهم، وهو على النقيض من الصنف السمي لا ينزعج إذا واجه نقصا في الاهتمام، ولا يطالب الآخر بأن يفعل أكثر من طاقته أو ضد إرادته، وقادر على أن يبدي اتجاها من الرفض لشخص آخر دون أن يحط من مشاعره، وأن يجعل موقفه معارضا بذكاء دون الحاجة المفرطة لإيضاح نفسه أو تبريرها، بينما يعجز «السمي» عن دفع الآخرين للإحساس بالسعادة، فهو يرفض أن يعطي بطريقة مستقيمة دون شروط تلصق بعطائه، مما يجعل أي سعادة يولدها في الآخرين قصيرة أو مشروطة، وكمثال توضيحي مضحك، ذلك الضيف الذي يعمد مضيفه في أثناء استمتاعه بالعشاء لرمي عبارة تذكره بمدى العناء المصاحب لإعداد تلك العزيمة، أو تلميح بضرورة الرد بدعوة مماثلة، وكأن «السمي» لا يريد إسعاد الآخر دون تلويث عطائه، أو سرقة المتعة بأي شكل، كما يبدو أنه يرغب في إبقاء الآخر ضحية لمشاعر الدين والممنونية، ولا تفيد ثورة الضحية إلا بتوجيه المزيد من الاتهام لها بالأنانية وقلة الأدب، وغالبا ما يواجه الوالدان «السميان» أولادهما بتلك الطريقة، وبذلك تعاني الضحية من الاستنزاف والإغراق في مشاعر الذنب. وبمجرد الإقرار بوجود علاقة سامة في حياتك، يبقى السؤال هو ما الذي يجب فعله نحوها؟ فالكثير من الناس يظنون أنه يمكنهم أن يغيروا شخصا ما، ولكن في حقيقة الأمر، هذا ليس بالأمر الممكن أو السهل، خاصة إذا كانت السمية متأصلة في الآخر، فليس من السهل تغييره، ومن الصعب إحداث تغيير في شخص يملك السلطة على من يريد إحداث التغيير، وهذا السمي نفسه حصيلة العديد من التجارب المسمومة في ماضيه أو نشأته والقليل من التجارب المشبعة المعاشة، ولهذا فقد تكون الخطوة الأولى بالبدء بلطف بمصارحة الطرف السام حول الطريقة التي يعاملك بها، أو اللجوء لترسيم الحدود والوضوح في شروط العلاقة، وفي حال لم ينجح هذا النهج، يجب أن تكون حاسما أكثر، باتخاذ إجراء يهزه ويفاجئه، وربما تكون الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الموقف، هو إنهاء العلاقة السامة ولكنها الخطوة الأخيرة إن لم تنجح الخطوات السابقة، خصوصا إذا كان الطرف السام يحتل موقعا مهما في حياتك، ولهذا فالبت في طريقة التعامل مع العلاقات المؤلمة السامة في الحياة اليومية ليس بالأمر السهل، ويعتمد على القدرة على اتخاذ القرارات، ونوعية الطرف السام، وكم الأذى المترتب على إبقاء العلاقة على هذا النحو، ودرجة إصرارك على إصلاح الوضع أو الاستهانة بسمومه.

فالصراحة مع الطرف السام أمر مهم، ولا يجب الخوف من اتخاذ موقف، ووضع حد للمعاناة، على اعتبار أن الطرف الخاسر حاليا هو أنت وليس هو.

LamaAlghalayini@