د. جاسم المطوع

من يتأمل آيات الزواج والطلاق في القرآن الكريم يجدها كلها مختومة بالحث على التقوى أو معانيها، والتقوى هي أن يعيش الإنسان مع ربه فيستشعر بأن الله يراقبه ويسمعه ويعلم سره وعلانيته، ولأن الزواج والطلاق يحدث فيه الخلاف فالله يوصي الطرفين بعدم الظلم والتقوى، وهذا يدل على أن الزواج والطلاق من الأحكام التي ينبغي ألا يكون فيها تلاعب وألا يسيء الرجل منزلة القوامة بالأسرة بأن يظلم المرأة أو يهينها أو يحقرها أو يعلقها، والمرأة عليها احترام الرجل وتقديره، وقد جمعت سبع آيات بهذا المقال.

فالأية الأولى هي آية تحذر الرجل من امساك المرأة للإضرار بها وظلمها، وأول الآية (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) ونهايتها (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم)، فالرجل يكون ظالما لو أمسك زوجته ومنعها من إكمال حياتها أو منعها من الزواج من غيره وهو يكره العيش معها.

والآية الثانية هي آية الإيلاء ومعنى الإيلاء أن يحلف الرجل ألا يجامع زوجته أربعة أشهر فأكثر قاصدا الإضرار بها، فإن رجع قبل أربعة أشهر فعليه كفارة اليمين، وإن لم يرجع واستمر بهجران فراش زوجته فيحق لها المطالبة بالطلاق، وإن رفض وعاند طلقها القاضي رغما عنه، وبداية الآية (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) ونهايتها (فإن الله سميع عليم) وسمع الله تعالى وعلمه بكل شيء من معاني التقوى.

والآية الثالثة آية عدة الطلاق وبداية الآية (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) ونهايتها (وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) فالدرجة التي أعطاها الله للزوج في قوامته على زوجته تستلزم عدم تكبره وتجبره وعناده وظلمه للمرأة، وعلى الرجل أن يتذكر أن الله أعز منه وأقوى، وكلما أعز الرجل المرأة كلما أعزه الله تعالى ولهذا كانت نهاية الآية (والله عزيز حكيم) فالعزة والحكمة من معاني التقوى.

والآية الرابعة جمعت بين الخلع والرجوع بعد الطلاق الثالث، والآية في بدايتها (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ونهايتها (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) وتلاحظ في نهايتها تحذير بعدم التلاعب بحدود الله وأحكامه في الطلاق وهذا التحذير من معاني التقوى وهي الابتعاد عن المنكرات والمعاصي.

والآية الخامسة آية عدة الوفاة وهي (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير)، لأن كثيرا من الرجال يتدخلون في حياة الأرامل ويمنعونهن من الزواج أو من ممارسة حقوقهن أو يخيرونهن بين الزواج وبين أولادهن ويهددونهن، ولاحظ في ختام الآية (والله بما تعملون خبير) أي خبير بالغضب المزيف والغيرة المزيفة ضد الأرملة، أما الآية السادسة فتتحدث عن طلب الزواج أثناء عدة الوفاة ولاحظ نهايتها (وأعلموا أن الله غفور حليم).

والآية السابعة فهي آية نشوز الزوج والعدل بين الزوجات وهي (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا، لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما) وهنا التوجيه واضح في النهاية بالتقوى حتى لا يحدث الظلم بين الزوجات في حالة التعدد، أما في آية النشوز كذلك نهايتها فيها حث على التقوى، فالخلاصة إذن حتى يكون الزواج والطلاق ناجحا لا بد أن يكون مبنيا على التقوى والابتعاد عن الظلم وهذا الذي يأمر به الله تعالى.

@drjasem