فوزي صادق

من عادتي استجلاب التجارب والقصص من أرشيف كبار السن للعبرة والعظة، وهذه قصة حقيقية وافق صاحبها على نشرها. بعد السنوات الطويلة يا عم، ما يشغل بالك؟ فقال (الحب القديم)، كيف؟ فقال، في رأسي حب ما طحن، وسأخبرك بالقصة.

بعد أن بلغت سبعة عقود من عمري، سمعت أن حبي الأول أصبحت أرملة ولم تنجب، وبعد انتهاء عدتها قررت التقدم لها سرا، رغبة وإلحاحا مني، فقابلت أخاها (كونها هي الكبرى)، فاستغرب أني ما زلت أحبها، وسألني ماذا ستفعل مع أبنائك وأحفادك، فقال سأقول لهم (في راسي حب ما طحن).

أخبر الأخ أخته الأرملة، بأن فلانا تقدم ويطلب النظرة الشرعية، فوافقت دون تردد، وبعد أيام حضر عندهم بأجمل زينة وطيلسان، فجلس بغرفة ينتظر طلتها، فدخلت عليه عجوز محدودبة تمشي ببطء، فجلست أمامه ورأسها مطأطئ - وبها خجل فتاة بالعشرين، فسألها، أين ابنتك، فقالت أي بنت، قال فلانة، فقالت أنا هي!.

كأن الماء البارد قد صب على رأسه، فوقع العاشق في مأزق لا يحسد عليه، لقد أخذ منها الزمن مأخذا، ولعبت تعرية الزمان بتضاريسها حتى بدت وكأنها أمه، فتلعثم لسانه واشتبك بنانه وضاع باله، وقال لها بتأتأة اللسان، تفضلي هذه الهدية، فقاطعته بصوت مرتفع (أنا موافقة)، لكن ما هو رد فعل زوجتك وأبنائك، فأجابها، وكأنه حصل على مخرج من المأزق، هنا المشكلة، وأتوقع أنهم سيحاربونني، وخاصة بعد إصابتي بالزهايمر مؤخرا، لكن سأرد عليك إذا وافقوا، فركب سيارته، وغادر حارتهم بسرعة.

سألته قبل مغادرتي، بماذا تنصحني عمي، فقال بالعامية: ولدي، إن كان لديك حب قديم، وفي عقلك صورة له، إياك أن تخربها بالواقع، وإياك أن تهدم حلما جميلا لسنين طويلة بلحظات، أبق على مخيلتك وتعايش معها، وليبقى الحب الذي لم يطحن براسك، وهو أهون من طحن فؤادك حتى مماتك.

@fawzisadeq