لمى الغلاييني

الشخصية هي حاصل جمع أفكارها، والعقل هو النساج الذي يحيك قماش الشخصية الداخلي، فبواسطة أفكاره يستطيع الإنسان أن يصنع من ذاته ما يشاء أن يكون، فالأفكار البناءة الواثقة تصنع النجاح، بينما الأفكار الانهزامية تصنع الاستسلام، وتتأثر صحتنا الجسدية بأفكارنا بالسلب أو الإيجاب، فالسلبية تؤدي للتراخي وهبوط الحيوية وتدني المناعة، وتفتح الباب للمرض على اختلافه، أما الإيجابية فهي تطلق الطاقات الحية والإحساس بالحيوية والنشاط وارتفاع مستوى المناعة أو بالتالي الصحة، وكما أن النبتة تخرج من البذرة ولا يمكنها أن تكون من دونها، فكل فعل من أفعال الإنسان ينبت من البذور الخفية للأفكار ولا يمكن أن يظهر من دونها، ينطبق ذلك على الأفعال المسماة «عفوية» و«تلقائية»، كما ينطبق على الأفعال المنفذة عن سابق تصور وتصميم، فالأفعال هي أزهار الفكر، والفرح والمعاناة هي ثماره، تماما كما يخزن المرء ثمار حصاده في حلوها ومرها، فليست الشخصية النبيلة المتسامية مسألة حظوة أو حظ، وإنما هي النتاج الطبيعي للجهد الذكي والعزيمة الصادقة، وبالمقابل فإن الشخصية المقيتة هي نتاج مراكمة الأفكار المعيبة والانغماس فيها، فالإنسان هو صنيعة ذاته، فهو يصنع في ورشة فكره الأسلحة التي يمكن أن يدمر بها نفسه، كما أنه يطور الأدوات التي يبني بها لذاته بواسطتها منازل العيش الرغيد والقوة والسلام، فمن خلال الخيارات الصائبة يرتقي الإنسان، ومن خلال سوء الممارسات قد ينحط دون المستوى البهيمي من الحياة، وبين هذين الحدين المتطرفين تصادف كل درجات الشخصية، والإنسان هو صانعها وسيدها حتى في أضعف حالاته، إلا أنه في انحطاطه يصبح السيد الأحمق الذي يسيء إدارة حياته، وعندما يبدأ في إدارة طاقاته بذكاء يكون السيد الواعي، ويتمكن أن يغير في ذاته من خلال اكتشاف قوانين الفكر والاستبصار الذاتي، فالذهب والألماس يتم العثور عليهما من خلال استمرار البحث والتنقيب، ويمكن للإنسان أن يجد كل حقيقة متعلقة بوجوده إذا ما حفر عميقا في منجم روحه، وسيكتشف حينها أنه صانع شخصيته ومكيف حياته وباني مصيره، ونستطيع تشبيه عقل الإنسان ببستان يمكن أن يزرع بعناية ومهارة أو يهمل كي تنبت فيه الأعشاب البرية، ولكن سواء تم زراعته بعناية أو إهمال فلا بد أن ينبت، فإذا لم تنثر فيه البذور الصالحة فسوف ينبت مكانها نباتات برية غير مفيدة، وسوف يعطي ثمار البذور التي نثرت فيه، ولهذا يبتلى الإنسان بالظروف طالما اعتقد أنه نتاج الشروط الخارجية، وعندما يتبين له أنه قوة خلاقة وباستطاعته السيطرة على تربة وجوده الخفية وبذورها التي تنبت الظروف، عندها فقط يصبح سيد ذاته، إذ تجتذب الروح كل ما يحتضن بشكل خفي، وكل ما يحب وكل ما يخاف، وتبلغ أعلى مستوى طموحاتها، كما تنحط إلى أدنى مستوى رغباتها دناءة، وتشكل الظروف الوسائل التي تبلغ فيها الروح تطلعاتها، ولا ينال الإنسان ما يتمناه، بل يحصد ما يكسبه تحديدا، ذلك أن أمنياته لا تتحقق إلا حين تنسجم مع أفكاره وأفعاله، وعلى ضوء هذا الكلام فإن عبارة «الحرب ضد الظروف» تبدو غير مجدية بتاتا، لأنها تعني أن يتمرد الإنسان ضد النتائج الخارجية بينما هو يغذي طوال الوقت أسبابها الداخلية في فكره.

LamaAlghalayini@