عبدالعزيز الذكير يكتب:

نميل إلى الاعتقاد بأن بديع الكلام وبيانه ينحصر في العربية الفصيحة، أي أن وسائل الإقناع لا توجد إلا لدى مجيد أو دارس اللغة الغربية بنحوها وصرفها وبديعها.

وجدت جزيرة العرب، وربما سائر الوطن العربي حافلا بالأمثال الشعبية والأمثال التي فيها من التبحر والعمق الكثير.

يقول لي صديق من دولة البحرين إن والدته تملك مخزونا من الأمثال الشعبية لا يكاد حديثها العادي أن يخلو منها، وهي أيضا تستعمل الكثير من «الإتباع» وهو أن تتبع الكلمة بكلمة على وزنها لتزيين الكلام لفظا وتقويته معنى. أما المزاوجة فهي: تعديل يلحق إحدى الكلمتين لتناسب أختها في الحركة والوزن، ومنه الإتباع في الكلام، مثل حسن بسن، وقبيح شقيح. صديقي يقول إنه يستصعب المقصد من حديث والده لكنه مع ذالك يستطيب سردها إن غاضبة أو راضية، ساخطة أو مسرورة.

الإتباع موضوع طريف اعتنى به مؤلفون قدامى. كذلك نوه به المستشرقون أمثال بروكلمان وغيره. واجتذب الموضوع أنظار اللغوي كوركيس عواد ضمن فصل واف عن الإتباع في كتابه «أشتات لغوية» وركز على اللهجة العراقية - ربما لتفوقها في الإتباع عن غيرها من اللهجات العامية العربية. فأورد كلمات مثل: أصل وفصل. بطال عطال. حيص بيص. خوش بوش. شقلبان مقلبان (المراوغ). قارش وارش. قنزه ونزه. ولد تلد. وأشياء كثيرة لا يفهمها من لم يعش في العراق.

إن ظاهرة الإتباع من الظواهر اللغوية التي تشترك فيها الكثير من لغات العالم، أدرك ذلك أجدادنا القدماء، فقال ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ)، (وقد شاركت العجم العرب في هذا الباب فنجدها في اللغات العربية واللاتينية واليابانية والكورية والإندونيسية والإيطالية والإنكليزية والعبرية ((وغيرها، لذا عدها علماء اللغة إحدى العموميات (universals (التي تتشاطرها اللغات الحية، التي تستفيد من التلاعب بالألفاظ Play Word على المستوى الصوتي والصرفي والنحوي لتؤدي وظائف مختلفة ولتعبر عن مفاهيم كثيرة. ومصطلح الإتباع من المصطلحات المستقرة في العربية ويقابله في الإنكليزية مصطلح واحد هو (Reduplication وقد اهتم العرب بالإتباع قديما، ومن أبرز من اهتم به وألف فيه تأليفا مستقلا هو ابن فارس في كتابه (الإتباع والمزاوجة).

A_Althukair@