لمى الغلاييني

يعتبر البعض أن الحذر من أهم سمات الشخصية الحكيمة، ولذا تجده يسعى لتجنب معظم الممارسات الخارجة عن نطاق روتينه، ويهتم بالتخطيط الدقيق تحسبا لأي مفاجآت، ويفضّل ممارسة الحذر على حساب حب الاستطلاع، واتباع الخطوات المحسوبة بدلا من الاكتشاف والمغامرة، وكثيرا ما تجدهم يحاولون تشجيعك على تجنب الخوض في المواقف غير المألوفة، فهم يعتقدون أنه من الأفضل أن تظل في دائرة المألوف فقط، لأن المغامرة برأيهم خيار المتهورين والطائشين، ولابد أنك واجهت العديد منهم في حياتك، وفي طفولتك تحديدا، حين كانوا يحاصرونك بوابل من التنبيهات بأن تحترس وتنتبه، وتخفف من محاولاتك المنطلقة للتجول والاكتشاف، ومن المؤكد أنك شعرت حينها بالملل والتعب لانقيادك لهذه العبارات، التي تدعوك للبقاء في دوران عجلة الروتين اليومي لأجل غير معلوم، فالنمو الحقيقي لا يحدث إلا في خوض التجارب وكسر الحواجز، وكل مَنْ نسميهم اليوم عباقرة هم أولئك الذين لم يستسلموا للأوهام، ولم يدعوا المخاوف تقف عائقا بينهم، وبين ممارسة الاستطلاع، ورفضوا الخوف من المجهول، وسمحوا لأنفسهم بالاستكشاف خلف الأسوار، فهم أناس يشبهوننا تماما، لكن الفارق الوحيد هو امتلاكهم القدرة على اجتياز العوائق النفسية الداخلية، وتبدأ خطوتك الأولى في التحرر بإعطاء نفسك الفرصة للنظر لقدراتك بعيون جديدة، والتحلي بشجاعة تجربة الجديد في معظم ممارساتك، والتحرر من مصيدة الروتين المألوف، وعيش حياة رتيبة باهتة مكررة، منطلقة من افتراض مسبق بأنك إنسان هش قابل للتحطم بسهولة، مما يستدعي بقاؤك دوما في منطقة الأمان، وسيحرمك ذلك من الاستمتاع بالتعرف على أشياء جديدة، أو اكتشاف أعماقك الداخلية وشحذ مواهبك، وقد تعتقد بضرورة وجود سبب قوي بما يكفي للإبحار ما وراء المألوف أو سبر أغوار المجهول، وهذا ليس صحيحا، فيمكنك دوما أن تعمل أي شيء لا يتعارض مع الدين، ولا يضر أحدًا لمجرد رغبتك بذلك، فالتمسك بضرورة السبب المقنع يحرمك من الاستماع بمغامرات كثيرة، ويعيق نموك، أما تجدد الممارسات يوميا، وإتاحة الفرصة لغريزة حب الاستطلاع والتحرر من الروتين، يبعد عنك السأم والضجر، ويجدد مزاجك النفسي، فاعط هذه الغريزة شيئا من الحرية، وحاول التساهل في قبول شيء جديد، وليس شرطا أنك ستستمع بذلك من المرة الأولى، لكنك ستجد راحة نفسية لمجرد المحاولة، ولا تهتم إذا اتهمك أحدهم بالتهور، فالتصلب يعني توقف النمو، والبذرة الأساسية للحقد والعنصرية، والتصرف بتلقائية يعني التعامل مع الناس دون الحكم المسبق عليهم، وعدم الوقوع في شرك التحسب لكل صغيرة وكبيرة، والانقياد لقوائم التخطيط الطويلة، التي تسبب الوسواس القهري أحيانا، وفي النهاية أذكر سؤالا طرحه بروفيسور شهير على أساتذة جامعيين في تطوير مهارات التدريس بقوله: هل درّست عشرين عاما، أم درّست عاما واحدا عشرين مرة؟، ويمكننا إعادة صياغة السؤال وطرحه عليك؛ هل عشت أربعين سنة أم سنة واحدة أربعين مرةً؟.

LamaAlghalayini@