أنيسة الشريف مكي

الطبيب الفرنسي «جانيه» هو أول مَنْ وصف حالة ازدواجية الشخصية عام 1889، وربطها ربطاً متيناً بالصدمة النفسية في مرحلة الطفولة. منذ حوالي السنة، أعلن مركز البحوث King’s College London- في بريطانيا عن دراسة جديدة حول موضوع ازدواجية الشخصية، وتعدّد الشخصيات عند الإنسان. اعتبرت هذه الدراسة أنّ «صدمة» قوية قد عاشها الإنسان منذ طفولته، قد تُسبّب بظهور شخصية ثانية عنده.

أوافقه الرأي، فالشخصية الازدواجية لها أسباب أهمها التربية العشوائية غير السليمة.

فهل هي مرض يا ترى أم تقصير في التربية؟

قرأت كثيراً في هذا الموضوع، وتوصلت لمعلومات مهمة، هذه الاضطرابات، التي تصيب شخصية الإنسان تخلق عنده شخصيتين في جسد واحد.

دراساتٌ نفسية وأبحاثٌ علمية ما زالت تُجرى في العديد من المختبرات النفسية لاكتشاف أسباب تعدّد الشخصيات وازدواجية الشخصية، إذ لم يتمّ التوصل بعد للأسباب الحقيقية لظهورها، إلاّ أن العلماء أجمعوا على نقاط منها:

أولاً معاناة المريض من طفولة كئيبة ومحزِنة، مع إيذاء جنسي وعدوانية جسدية ولفظية وصولاً إلى عدوانية نفسية.

ثانياً، أكدت دراسة في مركز البحوث King’s College London، ما قاله «جانيه»، أي أنّ أحد أسباب ظهور هذا الاضطراب قد يكون صدمةً قوية عايشها المصاب خلال طفولته.

ثالثاً، عدم التكيّف مع الواقع، والهروب من تجربة مؤلمة وعدم القدرة على حلّ مشكلات استعصت على المريض، وعدم تكيّفه مع نفسه يمكن أن تكون أسباباً لازدواجية الشخصية.

وأنا أؤكد أن التربية لها الدور الأكبر في بناء شخصية الإنسان وأساسها، الذي يقوم عليه البناء الأهم في إنجاحها، فإن كان قوياً كان البناء قوياً والعكس صحيح.

الاهتمام والرعاية الإيجابية والحنان الأسري والإشباع العاطفي من حق الأبناء على الآباء، بل يجب إيصاله لهم بكل الوسائل، علينا آباء وأمهات الاستمرار في إرضاع أبنائنا الحب والدفء لنؤمن احتياجاتهم بيولوجيا ونفسيا، ونعزز لديهم الشعور بالأمن والراحة صغاراً وكباراً حتى لا يبحثوا عن بدائل.

البعض لا يحسن فن العلاقات الإنسانية مع أبنائه، خاصة في فترة المراهقة وطيشها، فلا يتعامل معها بهدوء وروية، بل يضخمها فيؤنب وقد يقسو ولا يحتوي، وهنا يقع ما لم يكن في الحسبان الهروب للشارع وأصدقاء السوء طوق نجاة المراهق من قسوة والديه، فتتحول سوء المعاملة لقضايا قد يتورط فيها الأبناء لا قدر الله.

نحتاج لتطبيق منهج التربية الإسلامية في حياتنا، وقدوتنا رسول الهدى -عليه أفضل الصلاة والسلام- في تربية أبناء الإسلام. مثال: شاب يسأل الرسول أتأذن لي في الزنا.. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا، قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا، قال: «كذلك الناس لا يحبونه»، فلم يوبخ ولم يعنف.

ومن التربية السلبية انتقاد الأطفال أمام الآخرين، وهو المتوارث، فبعض الآباء يطبقونه على أبنائهم للأسف الشديد، وهذا الإرث يخلق شخصاً يملك شخصيتين وربّما أكثر.

aneesa_makki@hotmail.com