ماجد عبدالله السحيمي يكتب:

الجمعة الماضي قدر الله سبحانه وتعالى وفاة أحد الرموز الذهبية التي ترصع اسمها بالعمل الخيري، هي أم إبراهيم المنصور «حصة بنت عبدالرحمن السحيمي» حقيقة لم تكن أما لإبراهيم فحسب، بل أما لتأصيل العمل الخيري من احتياجات الأسر وكفالة الأيتام والأوقاف ودور تحفيظ القرآن الكريم عبر عمل منظم، رغم أنها كانت ابنة لرجل من أحد وجهاء رجال الأعمال في المنطقة الشرقية، فكان بالإمكان أن يكون مسارها ما أكرم الله به والدها وأن تسعد هنيئة به، وهذا حق مشروع لأثر نعمة الله على عباده، إلا أنها اختارت أعمال الخير واحتياجات الناس على ذلك، ولن أكرر ما كتبه الكتاب والمغردون قبلي، ولكن أقول كيف استطاعت هذه المرأة المباركة أن تسخر حياتها الطويلة لهذا العمل؟ رغم متاعبه ومشقته وتعلقه بأناس كثر والتأكد من صدقهم ومدى أحقيتهم وأولوية حاجاتهم وتنظيمهم واستمراريتهم، الأهم من كل ذلك هو ديمومة هذا العمل على مدار سنوات طويلة، عرفت أم إبراهيم -رحمها الله- طفلا وصبيا وفتى وشابا، وفي كل تلك الحالات عرفتها توأما محبة للخير ساعية إليه مقبلة عليه، لم يردها عنه ملل أو رتابة بل تحفيز وشحذ للهمم ودفع للطاقات، كل هذا كان على أساس تدين عظيم وطاعة لله أشهد بها أمامه، فقد كانت عابدة ساجدة مجاورة لحرمه الشريف بمكة المكرمة لفترات طويلة. بعد كل هذا، يبقى السؤال المهم، ماذا نستفيد من هذه التجربة الثرية العظيمة، هل هي مجرد تجربة شخصية وانتهت، أم مجرد عمل تطوعي؟ أم مساهمة ضمن إطار المسؤولية الاجتماعية؟ أجزم بأنها كل ذلك فكانت مشروع حياة سخرت لرضا الله وسن السنة الحسنة في المجتمع، أقبلت الدنيا عليها وهي أدبرت عنها فأقبلت إلى ربها طاهرة عفيفة كريمة نقية راكعة ساجدة ذاكرة شاكرة، تاركة خلفها إرثا عظيما أسأل الله سبحانه أن يضاعف لها أجر كل حرف يتلى ويحفظ إلى ما يشاء. أم إبراهيم تركت لنا رسالة صامتة في صوتها صاخبة في معناها، هي أن تجعل لك مشروعا مع الله وتأكد بأن الله سبحانه بقدرته سيسخر لك ما لم تتخيل، فأجزم أنها بدأت بشكل بسيط وانتهت بشكل عظيم أول ما سخر الله لها هي نفسها التي فضلت أن تتنعم بما أنعم الله عليها لتجعل غيرها ينعم بما يحلم ويحتاج ويفقد حتى أصبح هذا الفقد حقيقة ملموسة يعيشها باطمئنان، حين تقبل أم إبراهيم على الجمعيات الخيرية فهي كما يقبل الوجيه ويقدم في صدر المجالس فكانت غيمة مباركة تنعم الناس بظلها ومطرها ونسمات الهواء العليل تحتها، اللهم كما أسكنت أم إبراهيم الفرحة في القلوب فأسكنها الفردوس الأعلى وجميع المسلمين.

وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا) في أمان الله.

@Majid_alsuhaimi