ماجد عبدالله السحيمي

من أكثر الأحاديث الواردة عن سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام-، التي حفظناها صغارا هو الذي ذكره أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه جاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: (يا رسول الله، مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك، قال: ثم مَنْ؟ قال: أبوك)، وهذا يدل دلالة قاطعة لأي شك أن حق الأم عظيم وكبير لا يقبل المساس ولا النقاش، وهنا تعمدت أن أبدأ بهذا التأكيد من خلال حديث رسولنا الكريم حتى أؤكد الثوابت الثابتة أصلا، ولا أُتهم بأي تجاوز لحقوقها حاشا لله. إلا أن حق الأب أرى فيه تقصيرا كثيرا في عديد من جوانبه المضيئة، لا أطلب إطلاقا أن يكون حق الأب على حساب الأم أبدا، ولكن أن يكونا متوازيين عدلا وليس تساويا، الفكرة الدارجة بأن الأم هي الحمل والوضع والحنان، وأن الأب هو الكدح والتعب وتأمين العيش، أرى ذلك قليلا وجزئيا، فحقهما ودورهما أكبر وأشمل من ذلك بكثير وبشكل أوسع. الموضوع شراكة في الحياة ينتج عنها مشروع عظيم عمله ونتاجه قد يتجاوز أكثر من 70 عاما، فإن وجدت زوجين صالحين بكرهما الأول قد تجاوز الستين عاما، فاعلم أن هذه الستين كانت مشروعا عظيما مليئا بكثير من الحقبات المختلفة، تخللها أمل وألم وسهر وفرح وراحة وتعب وتعليم وتأمين ودعاء وطلب وخوف وحرص ودموع وابتسامات وشقاء وقلق، وبما أن حديثي اليوم عن الأب، فأقول إن هذا الرجل كائن عظيم بكل ما فيه، نعم بكل ما فيه من شدة وهيبة وشموخ وعطف وتحمل ووقار وقوة وضعف، هذا الرجل الذي يقلق ليلا ويعمل نهارا لا تغفو عيناه إلا وهو يرى مستقبل أسرته في خياله ثم في أحلامه، ثم يسعى لمواصلة تحقيقه في صباحه، هذا الرجل ليس فقط مسؤولا، بل مربيا ومسيرا ومراقبا وقلقا وصاحب قلب مغلف بالحديد، ولكنه من الداخل أرق من زهر الياسمين، دمعة الوالد، التي نادرا ما تنحدر إلا أنها تجمع دمعات في دمعة لا تخرج إلا من شدة وقوة بأس بعد عدة محاولات لخروجها، فكان الكتمان وعدم الانكسار سدين في وجهها، أثقل ما على الوالد أن يظهر انكساره أمام عائلته؛ لأنه يخشى عليهم أكثر مما يخشى على نفسه، الوالد أمان واطمئنان وظل ظليل عن شمس المستقبل، الوالد عبارة عن جسم يمشي وكل حواسه تحف عائلته، عقل يدبر السعادة ويرسم المستقبل وقلب يحتوي الدفء وعينان ترقبان الأمل، وأكف ترفع يدها إلى الله تبتهل بالدعاء ثم تنزل لتمد العون لكل العائلة، وقبل أن أختم مقالي أقول، حين كنت صغيرا كنت كأي صبي يلعب مع أصدقائه قرب المنزل وحين أحس بأي خطر من أصدقاء سوء أو سيارة مسرعة أذهب سريعا إلى باب المنزل وأطل من خلاله على الفناء لأرى حذاء والدي عند الباب، فإن كان موجودا، فهذا هو قمة الأمان والاطمئنان بالنسبة لي، اللهم احفظ لنا والدينا وأطل في عمرهم وألبسهم الصحة والعافية وألحقنا برهم وارحم مَنْ توفى منهم، وأسكنهم فردوس جناتك.

وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبداً) في أمان الله.

Twitter:@Majid_alsuhaimi