أمجاد سند -الدمام

منظومة من 3 أنواع تمنح الفرد مبادئ جودة الحياة

قال الحاصل على الدكتوراه في تربية الطفولة المبكرة د. إبراهيم الحسين، إن السؤال عن التربية ونوعيتها كان سهلًا منذ عدة سنوات، لكن في عالمنا اليوم، ونحن نعيش في عالم أصبح فيه التغيّر سمة رئيسة، فأصبح العالم أكثر ترابطًا وتواصلًا واضطرابًا، وباتت المعرفة والابتكار من مقومات الحياة الأساسية، ففي هذا السياق يصبح السؤال عن التربية ونوعيتها وغاياتها سؤالًا صعبًا وإشكاليًّا.

ماهية التربية

وأضاف: «من هذا المنطلق أصبحنا، كباحثين ومربّين وأولياء أمور، نبحث في الإجابة عن السؤال الكبير: ما التربية التي تُمكِّن أطفالنا من النجاح في حياتهم، الآن وفي المستقبل؟ وتمكِّنهم من التكيُّف مع المستجدات والتعامل مع كل تغيّر بكل مرونة وابتكار؟».

النمو والتهيئة

واستكمل حديثه قائلًا: إذا عُدنا إلى التربية كمصطلح لغوي، فهي تشير إلى الفعل «ربا» أي نما وزاد، وهذا النمو يجب أن يكون مقصودًا ومدروسًا ومخططًا له، لذلك إذا حاولنا أن نجمع بين تعريفات التربية في قديمها وحديثها، فسنجدها تجتمع حول مفهوم: تهيئة كل ما من شأنه تمكين الأطفال من الاستعداد للحياة حاضرًا ومستقبلًا.

تغيّر المعرفة

وأشار إلى أن التنوع والتشعّب في شؤون حياتنا وجه التربية إلى أهمية التنوع في توجهاتها وغاياتها، وأصبح شائعًا أن أنواع التربية تنقسم إلى:

التربية النظامية وتعني التربية التي تتم في بيئة رسمية منظمة تبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة حتى التعليم الجامعي، ويتم هذا النوع من التربية بشكل منظم «السياسات التربوية - المناهج المباني... إلخ»، وتواجه التربية النظامية اليوم تحديات كبيرة تتمثل في سرعة التغير في المعرفة، وتحدي الجودة، والتنافسية العالمية على جودة نواتج تعلم الطلبة، ويمكن التعبير عن مجمل هذه التحديات بالسؤال: كيف يمكن للتربية النظامية أن تواكب التجدد المستمر للمعرفة، وتبتكر أساليب متجددة لتمكين الطلاب من المهارات والمعرفة والقيم، والاتجاهات التي تمكنهم من قيادة التغيير في مواجهة مستقبل غير متعيّن؟ من أجل ذلك ينادي خبراء وصناع السياسات التربوية بضرورة تعليم مهارات على سبيل المثال لا الحصر: مهارة التفكير الإبداعي، والتفكير النقدي، والتعاطف والتعاون، وغيرها من الكفاءات المعرفية واللا معرفية.

منظومة الأسرة

ثم التربية غير الرسمية وتعني كل أشكال التربية التي تتم داخل منظومة الأسرة والمجتمع، وهذا النوع من التربية كان سهلًا منذ عقد من الزمان، لكنه أصبح الآن أكثر تعقيدًا بسبب التطور التكنولوجي وسيطرة تقنيات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كأدوات للترفيه والتواصل والتعلم، وأصبح التساؤل عن مدى قدرة الأسرة والمجتمع على تقديم تربية موجّهة تضمن اكتساب الأبناء الغايات التي تتطلع إليها الأسرة والمجتمع في ظل هذا الفضاء المعرفي، سؤالًا جوهريًّا لكل بيت ومجتمع في عالمنا.

منظومة واحدة

و التعليم اللا نظامي يعني كل أشكال التدريب والتعليم الذي يتلقاه الفرد من أجل اكتساب مهارات ومعارف جديدة يحتاج إليها للنجاح في الحياة.

واستطرد بقوله: كل هذه الأنواع من التربية مهمة وضرورية لنجاح الفرد، وهي تعمل كمنظومة واحدة، فالتنقل من التربية النظامية إلى التربية غير الرسمية ثم إلى التعلم مدى الحياة، يمثل رحلة تعلم مستدامة، تمنح الفرد مبادئ جودة الحياة التي تساعده على تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لنفسه ومجتمعه وعالمه.

أسس علمية

وعن أسس التربية، أشار إلى أن أفضل مثال يوضح أحد أهم أسس التربية هو ما أشار إليه المفكر التربوي د. عبدالله عبدالدايم حين قال: التربية أشبه بالنبت الذي لا ينمو إلا من ري أهله، فتتشرب التربية فلسفتها وغاياتها من أسس عدة أهمها ثقافة المجتمع ومعتقده الديني، وكذلك من علوم أخرى كعلم الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والسياسة.

وأضاف: تكمن أهمية أسس التربية في المساعدة على الحكم إذا ما كان هناك ما يبرر أي أسلوب تربوي تقوم به المؤسسة التعليمية أو الأسرة، أي ما إذا كان مدعومًا بالعقل والأدلة العلمية، فلكل مجتمع تربيته، وهذا الاختلاف يعود إلى اختلاف الأسس التي تستمد منها التربية هواءها.

قواعد معيارية

واستأنف كلامه، فقال: تستخدم أسس التربية كمبادئ وقواعد معيارية توجيهية لاختيار المناهج والأساليب التعليمية وأساليب الإدارة والتخطيط التربوي وغيرها، والعلاقة بين المدرسة والمجتمع أيضًا، فمثلًا لا بدَّ للتربية في عالم مضطرب وتنافسي أن توجهها أسسها نحو أنسنة التربية، وأن تنمّي لدى الأطفال مفهوم القيم الإنسانية المشتركة، مثل: قيم السلام والتسامح والتعاون؛ لتمكين الأطفال من التواصل مع الآخرين في عالم متعدد الثقافات، وهذه الثقافات لها أسسها الدينية والعلمية والاقتصادية.

الحياة النفسية

وأضاف: كشفت جائحة كورونا عن أهمية الحياة النفسية للأطفال، وأنه مهما توافر الغذاء في المنزل، تبقى المحبة والعطف والحنان من الوالدين بمثابة هواء الحياة للأطفال، ومن الناحية العلمية، فقد كشف العديد من الأبحاث والدراسات في مجال الطفولة المبكرة، أن الأطفال الذين يتلقون رعاية أبوية يسودها الحب والحنان، يكون حجم دماغهم أكبر من الأطفال الذين يعيشون في بيئة يسودها العنف والاضطرابات الأسرية، ويبرر الباحثون هذه النتائج بالبيئة الدافئة التي يسودها الحب كعامل حاسم لنمو سليم لدماغ الطفل.

ومَن يعتقد أن البذل المادي هو التربية، أقول له إن مستقبل نجاح طفلك الآن وفي المستقبل سيتوقف على امتلاكه الذكاء العاطفي الذي يميّز الإنسان عن الآلة أو الذكاء الاصطناعي، وهذا النوع من الذكاء ينمو في البيئة الأبوية المُحبة، والبذل المادي وحده لا يصلح لتنميته.