د. محمد حامد الغامدي

n ليس في نداءاتي المتكررة لإنقاذ شجر العرعر من الموت، أي مصلحة شخصية، لا أريد جزاء ولا شكورا، ولا أقول إبراء للذمة، لكن كواجب ومسئولية. في إنقاذه إنجاز يهم أجيالنا القادمة، ومستقبل مياهنا الجوفية، والتراخي وعدم الاكتراث بغاباته، تقصير يرتقي حد العبث بالمستقبل.

n إنه الماء.. وحتى يتوافر لا بد من تعزيز البيئة المطيرة من المملكة، حفظها الله، وأيضا استدامة الحفاظ على غطائها النباتي وتنميته.

n ويظل السؤال الأعمى مطروحا: ما فائدة شجر العرعر للمملكة؟ ولماذا شجر العرعر بالذات؟

n إن دفاعي عن شجر العرعر في مناطقنا المطيرة، جزء لا يتجزأ من دفاعي عن المياه الجوفية، ولهذا قصة أفتخر بها وأعتز، أعتبرها أحد إنجازاتي العلمية المهمة، أراها أهم إنجاز علمي حققته، ويجدر بي سردها لكم، فهي قصة علمية، توضح مدى أهمية شجر العرعر، وتوضح أيضا محطات في مسيرة حياتي العلمية دفاعا عن المياه.

n الربط بين شجر العرعر والماء، إنجاز تحقق لشخصي بعد ثلاثة عقود من الدفاع عن المياه الجوفية، دفاع أخذ عدة مراحل من حياتي، وما زال يرتقي من مرحلة إلى أخرى أكثر دقة، وتركيزا، وتقدما من المراحل السابقة. لم تأت هذه المراحل دفعة واحدة. ولكن كل مرحلة تقود إلى التي تليها، يقودها الاهتمام والتفكير الدائم في قضية الماء التي أحمل.

n في إحدى المراحل تساءلت: كيف أستطيع تحديد حدود المناطق المطيرة في الجنوب الغربي من المملكة؟ قادني هذا التساؤل إلى كشف الكثير من الحقائق، ارتقت بتفكيري إلى مراحل متقدمة ودقيقة، ومبهجة لشخصي.

n أكرر.. كان محرك هذه المراحل هو الاهتمام، والتفكير المستمر والدائم في قضيتي الماء. ومعها كنت وما زلت أبحث عن الحلول الناجعة والصائبة، والنابعة من البيئة نفسها. وذلك من منطلق إيماني بأن البيئة إذا وقفت مع إنسانها، فلن يكون وحيدا، ولن تخذله. بل ستحافظ على استدامة بقائه على أديمها، وستكون له ولأجياله، خير حاضن وحافظ بعون الله.

n توصلت إلى حقيقة أنه لا يمكن فصل البيئة عن الماء. وهذا شكل مرحلة جديدة في طريقة تفكيري، وتحليلي، واستنتاجي، وأيضا ملاحظتي. فاستعنت بـ (جوجل إرث) (Google Earth) لرصد مناطق الجزء الغربي الجنوبي من المملكة.

n وتفاجأت بوضع لم يخطر على بالي. ولم أفكر به من قبل. حيث وجدت أن معظم الاستيطان البشري في مناطق الجنوب الغربي، من قرى وريف، تقع في شريط ضيق، حد عرضه الأقصى شرقا لا يزيد على (10) كيلو مترات، حيث يبدأ من قمم الجبال المطلة على سهول تهامة، والتي ترتفع بمسافة تزيد على الألفي متر.

n قررت بعد هذا الاكتشاف الذي أذهلني، زيارة مناطق هذا الشريط المطير، وذلك بهدف تحقيق غاية واحدة. هو الإجابة عن السؤال التالي: كيف أستطيع تحديد حدود هذا الشريط المطير من الجهة الشرقية؟ لأن الجهة الغربية أصبحت معروفة. وهي قمم الجبال المطلة على سهول تهامة.

n وأثناء العمل لرصد المؤشرات وتحليلها، لفت نظري موت شجر العرر، وكان يشكل حوالي (70) بالمائة من الغطاء النباتي. فجأة جاء الإلهام العلمي، لأستنتج أن تواجد شجر العرعر هو من يحدد حدود الشريط المطير شرقا، ويحدد أيضا مساحته. فهو شجر لا ينمو وينتشر خارج هذا الشريط المطير.

n بهذا الاستنتاج وجدت نفسي متربعا على عرش حقائق ملهمة ومحفزة. ولهذا الاستنتاج (الكنز) دلالاته العلمية المفيدة.

n فرحت فرحا ليس له حدود، فرحا جدد همتي ونشاطي، شعرت في لحظات ذلك الإلهام، ومعه، بأنني بلغت قمة النجاح والإنجاز في حياتي. هذا زاد من طاقتي لمواصلة مشوار حمل الحمل الذي أحمل. شعرت أن قضية الماء التي أحمل تعاظمت هدفا وأهمية ومسؤولية ورسالة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

DrAlghamdiMH