وول ستريت جورنال - بول جي. ديفيس ترجمة - نورهان عباس

التوقعات تربط بين قلة حالات كوفيد- 19واستغناء رجال الأعمال عن أمان العملة الأمريكية

وصل الدولار إلى أدنى مستوياته مقابل سلة من العملات في أكثر من عامين هذا الأسبوع - ويعتقد المستثمرون أنه سينخفض أكثر.

وتستند وجهة النظر التي تجمع على انخفاض الدولار على افتراض كبير، وهو أنه سيتم السيطرة على فيروس كوفيد 19 بشكل أو بآخر في الأشهر المقبلة، حيث ستسمح اللقاحات للاقتصادات في جميع أنحاء العالم بالعودة إلى طبيعتها خلال العام المقبل، مما يشجع المستثمرين على التراجع عن اقتناء العملة الأمريكية، التي اقتنوها بكثرة خلال الفترة الماضية للشعور بالأمان النسبي من التقلبات، بينما سيتوجهون الآن للاستثمار في الأسهم والسندات والعملات خارج الولايات المتحدة.

وسجل الدولار أدنى مستوياته أمام سلة من العملات في أكثر من عامين هذا الأسبوع. ويعتقد المستثمرون والمحللون أنه سيعاني المزيد من الانخفاض. ويبدو أن الأسئلة الأكثر أهمية الآن هي إلى أي مدى ستنخفض العملة الأمريكية؟ وبأي سرعة؟.

ويتزامن انخفاض الدولار مع الانتعاش الذي تشهده سوق الأسهم الأمريكية، حيث ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي فوق مستوى الـ 30000 للمرة الأولى يوم الثلاثاء الماضي، قبل أن يتراجع يوم الأربعاء. ويمكن أن يساعد الدولار الضعيف على انتعاش الأسهم في خارج الولايات المتحدة بشكل كبير، لأنه يحقق أرباحًا للشركات التي تستخدم العملات غير الأمريكية، ويجعل قيمة استثماراتهم أكبر بالدولار.

وانخفض مؤشر الدولار الأمريكي آي سي إي، الذي يقيس الدولار مقابل سلة من العملات من الشركاء التجاريين الرئيسيين مثل اليابان ومنطقة اليورو، إلى ما دون 92 الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2018، وفقًا لشركة فاكت سيت، كما انخفض بأكثر من 10.5 ٪ منذ ذروته في مارس.

وتوقع تقرير أصدره مجموعة من استراتيجيي السوق في سيتي جروب مؤخرًا أن الدولار قد يشهد انخفاضًا إضافيًا بنسبة 20 ٪ في عام 2021، حيث يتحرك المستثمرون الأجانب لحماية أنفسهم من تقلبات العملة، وتأثيرها على ممتلكاتهم الحالية في الولايات المتحدة.

وتؤكد معظم التوقعات أن الدولار سيشهد انخفاضًا لكنها تختلف حول مدى انخفاضه. ويتوقع محللو جولدمان ساكس، على سبيل المثال، انخفاضًا بنسبة 6 ٪ خلال الأشهر الـ 12 المقبلة. بينما يتوقع محللو آي أن جي انخفاضًا في العملة الأمريكية بنسبة 10 ٪.

وقال كريستيان مولر- جليسمان، المحلل الاستراتيجي للأصول المتعددة في مجموعة جولدمان ساكس: «يبدو أن الدولار مبالغ في تقديره بشكل كبير، والمستثمرون لديهم ثقل كبير في الأصول الأمريكية». وأضاف إن التقييمات المرتفعة للأسهم الأمريكية وأسعار الفائدة التي لا تواكب التضخم وتعافي النمو العالمي يجب أن تؤثر على الدولار.

على الجانب المقابل هناك أمثلة تاريخية تؤكد إجراء الدولار لمفاجآت كبيرة للمستثمرين. ويرى البعض أن الوضع الحالي مشابه لما كانت عليه العملة الأمريكية في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، عندما كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز كبير في الميزانية والحساب الجاري وانتقل المستثمرون من الأسهم والسندات الأمريكية إلى الأسواق العالمية. ووقتها انخفض مؤشر الدولار بنحو 20 ٪ في عام 2002.

وفي عام 2008، توقع الكثيرون أن يستمر الدولار في الضعف مقابل اليورو، لكن الأزمة المالية التي وقعت أيامها أدت إلى انعكاس ذلك بشدة وانتعاش الدولار من شهر يوليو في العام نفسه فصاعدًا. وعمومًا، يصعب التنبؤ بالعملات لأن سلوكها هو نتيجة عوامل تؤثر على تدفقات رأس المال، مثل تدفقات التجارة والاستثمار، وأسعار الفائدة، والنمو النسبي، والتضخم.

وقال ديفيد رايلي، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة بلو باي لإدارة الأصول: «إن التنبؤ بالعملات الأجنبية هو شكل متخصص من علم التنجيم في الأسواق المالية، وهو شيء ما زلت أشعر بالحذر منه».

وخلال هذا العام، ارتفع الدولار في فصل الربيع بعد انتشار الذعر في السوق العالمية بسبب جائحة كوفيد 19، ولكنه عاد وتراجع للأسفل بعد أن أغرق الاحتياطي الفيدرالي الأسواق العالمية بالدولار، من خلال ضخ سلسلة من التسهيلات وحزم التحفيز لدعم السندات وائتمان الشركات في الولايات المتحدة، ومن خلال فتح خطوط مبادلة العملات مع غير الأمريكيين عبر البنوك المركزية. واستمر انخفاض الدولار مع إعادة فتح الاقتصادات خلال الصيف.

ودفعت إجراءات بنك الاحتياطي الفيدرالي في الربيع الماضي المستثمرين إلى ضخ أموالهم في أسواق الأسهم، لكنهم اشتروا في الغالب الأسهم التي تتمتع بمؤشرات كبيرة للنمو، والأسهم التي تنتعش خلال التقلبات.

واستفادت شركات التكنولوجيا الكبرى المدرجة في الولايات المتحدة ومصدرو سندات الشركات الكبيرة من سوق الدرجة الاستثمارية، وهي سوق عالمية تهيمن عليها الشركات الأمريكية أيضًا.

ويعتقد الكثيرون أن المستثمرين سيشترون الأصول ذات المخاطر العالية والمقدرة بأقل من قيمتها مع استمرار تعافي الاقتصادات.

وقال سلمان أحمد، الرئيس العالمي لشركة مايكرو في فيديليتي إنترناشونال: «السيولة الزائدة بالدولار، التي تسبب فيها الاحتياطي الفيدرالي، لا تزال موجودة في السوق». وأضاف: «بمجرد أن تتحسن الأمور ويعود الانكماش، يمكن أن تتوجه تلك السيولة إلى الأصول ذات المخاطر العالية».

ولا يزال المستثمرون يستثمرون بكثافة في الولايات المتحدة، وهو وضع يمكن أن ينعكس إذا ارتد النمو في أماكن أخرى من العالم. واحتفظ مديرو الأموال بنسبة عالية من الأموال في الأصول الأمريكية، وفقًا لاستطلاعات المستثمرين من بنك أوف أمريكا ميريل لينش ورويترز.

ويعتقد المستثمرون الآن أن اللقاحات الناجحة، إلى جانب التوقعات باتباع الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لسياسة تجارية أقل عدائية يمكن أن تقود النمو العالمي وتجعل الاستثمار في بقية مناطق العالم أكثر جاذبية.

ووفقًا لهذا السيناريو، من المحتمل أن يبيع المستثمرون الأصول الأمريكية ويشترون أشياء في بلدان أخرى، وهذا يعني أيضًا بيع الدولار بكثافة، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته.

ولا يتفق الجميع مع الرأي القائل إن المستثمرين سيتحولون بعيدًا عن الولايات المتحدة ويتسببون في إغراق الدولار. وتقول فرانشيسكا فورناساري، رئيسة حلول العملات في شركة إنسايت إنفستمنت، وهي جزء من بنك أوف نيويورك ميلون كورب، إنها تعتقد أن الدولار قد يضعف، لكنها تعتقد أيضًا أن العملات بشكل عام ستصبح أكثر تقلبًا.

وفي حين أن أسعار الفائدة عالقة عند مستويات منخفضة للغاية في معظم الأسواق المتقدمة، إلا أن العملات تعتبر المنفذ الرئيسي لتغيير وجهات نظر المستثمرين حول التوقعات الاقتصادية في مختلف البلدان.

وقالت: «الدولار كان شديد الحساسية للتغيرات في توقعات النمو بمختلف بلدان العالم».

وبالنسبة لدايفيد رايلي من بلو باي، قد تتجه الأموال التي تغادر أسواق الأسهم الأمريكية إلى داكس، وهو مؤشر سوق الأسهم الألماني الثقيل في الصناعة، وإلى أسهم البنوك.

وارتفع داكس وقطاع البنوك في الأسابيع الأخيرة بينما ضعف الدولار. وكان أداء الأسهم الأوروبية واليابانية أفضل من مؤشر أس آند بي 500 خلال الشهر الماضي. وكلاهما تتواجد فيه بكثافة الشركات التي تستفيد من توسع الاقتصاد، ومن بينها الأسهم الدورية والقيمة.

ومن وجهة نظر رايلي، فأفضل رهان للمستثمرين الآن هو الأسواق الناشئة وخاصة اليوان الصيني، حيث يجب أن تتحسن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، أو على الأقل أن تتوقف عن التدهور، في حين أن دخول السندات الصينية على المزيد من المؤشرات العالمية يجب أن يحسن الطلب على العملة الصينية.

وانخفض الدولار بأكثر من 5.5 ٪ مقابل اليوان هذا العام. وكان الدولار الواحد يشتري 6.58 يوان مؤخرًا.

وتعتبر مزاعم محللي سيتي جروب بأن الدولار سيتراجع بنسبة 20 ٪ في 2021 بين التوقعات الأكثر تطرفا في وول ستريت، حيث انخفض مؤشر آي سي إي دولار إلى أقل من 75 على مدار العشرين عامًا الماضية، وظل الدولار ضعيفًا خلال بضعة أشهر فقط في عامي 2008 و2011.

وأحد العناصر المهمة التي يستند عليها توقع سيتي جروب بانخفاض الدولار هو أنه بعد كل زيادة كببير في نشاط التحوط – على غرار ما حدث في الأيام الأولى للجائحة - يقوم المستثمرون الأجانب ببيع كمية كبيرة من الدولارات عندما تستقر الأمور.

وقام المستثمرون الأجانب بتجميع سلة ضخمة من السندات الأمريكية منذ أواخر عام 2016، وذلك وفقًا لمقياس سيتي المعروف باسم «نسبة التحوط».

ختامًا، فمن غير المتوقع حدوث تغيرات كبيرة في عوائد السندات، وقال الخبراء الاستراتيجيون في سيتي إن الفرق بين عوائد سندات الثلاثة أشهر والـ10 سنوات يحتاج فقط إلى زيادة بنحو ربع نقطة مئوية لجعل التحوطات في متناول الجميع.