علي سعيد القحطاني

إن إنشاء مراكز علمية متخصصة في بناء وتنمية مهارات القرن الحادي والعشرين، وربطها بالنهضة التقنية التي نعيشها في عصرنا الحالي، أصبح أمرا في غاية الأهمية، بل ضرورة من ضروريات تطوير المجتمعات والأمم، ولقد تميزت الدول المتقدمة اليوم بكثرة إنشاء المراكز العلمية المتخصصة في البحوث العلمية والتطبيقات العملية لها، وأصبحت هذه المراكز أسلوب ونمط حياة يرجع إليه في حل القضايا والمشكلات، ومعرفة التوجهات، والآراء، والأفكار، حول القضايا والموضوعات المهمة.

ومن أمثلة هذه المراكز الذي سبق وعايشت فيه تجربة ثرية لي على كل الأصعدة، هو مركز Monash Tech School والذي يتبع لكلية التربية بجامعة موناش بدولة أستراليا، حيث اعتمد المركز في إنشاء برامجه على محاولة حل للقضايا والمشكلات التي تواجه ولاية فكتوريا التي يقع تحت نطاقها جامعة موناش بمدينة ميلبورن.

فتم إنشاء سبعة برامج يشرف عليها مجموعة من الباحثين والأكاديميين بالجامعة، حيث يستضيف هذا المركز مدرستين أسبوعيا، يتعرض الطلاب في هذه المراكز لعيش تجربة البرامج السبعة، وتكون على شكل مشاريع يسعى الطلاب لإنجازها، كما يعتمد المركز على إستراتيجية Design Thinking حيث يعمل الطلاب على مشاريعهم وفق خطوات محددة تساعدهم في حل مشاريعهم، وينحصر دور المشرفين على المركز والمعلمين المرافقين للطلاب في التوجيه والمساندة للطلاب.

أحد هذه المشاريع كان بناء دراسة متكاملة لإنشاء مستشفى في مدينة ميلبورن، يقوم الطلاب خلال هذا المشروع على تحديد الموقع المثالي للمستشفى بالرجوع إلى الخرائط والتوزيع السكاني على الأحياء، كما يجب تحديد التصميم المتناسب مع بيئة وثقافة المدينة وكذلك يجب تحديد عدد الكادر البشري وتخصصاتهم حسب عدد السكان الذي يخدمهم هذا المستشفى وفئاتهم العمرية والطبيعة الجغرافية وأسلوب الحياة في هذه المنطقة، ويكون لدى الطلاب قائد إلكتروني (عبارة عن تطبيق) يساعدهم في اتباع المسار المناسب لبناء هذا المشروع، كما وفر المركز جميع المعلومات والبيانات عن مدينة ميلبورن والتي يحتاجها الطلاب في بناء المشروع.

وفي مشروع آخر يقوم الطلاب بعمل فحوصات مخبرية في معامل طبية مجهزة تجهيزا كاملا للوصول إلى معلومات كافية عن الحمض النووي (DNA) لمجموعة من الكائنات الحية، وكذلك يحصل الطلاب على معلومات كاملة عن أسلوب العمل داخل المختبرات الطبية والمخاطر التي ممكن أن يواجهها المجتمع في حال وجود أي إهمال.

وفي مشروع آخر يقوم الطلاب ببناء تطبيقات للهواتف الذكية تخدم المدينة، وفي مشروع آخر يركز على بناء وبرمجة الروبوتات، وآخر يركز على التصميم باستخدام قطع الليقو.

كل المشاريع الموجودة في هذا المركز تم تجهيزها بكل الإمكانات البشرية والمادية، وهي كذلك تطبيق حي لبحوث ودراسات تم الصرف عليها لتكون ذات قيمة للبشرية عامة وللمجتمع المحلي خاصة.

في وطننا الغالي عشرات الجامعات ومئات الكليات والعديد من مراكز الأبحاث، وما ينفق على البحث العلمي في وطننا ليس بالمبلغ البسيط، ولكن هل هذه البحوث ذات قيمة ملموسة للوطن وخططه المستقبلية وخاصة رؤية المملكة 2030.

إن ما نبحث عنه هو أمل بالإمكان الوصول إليه، فلدينا في المملكة جامعات عريقة وناشئة لديها مئات العقول النيرة ولدينا ولله الحمد والمنة الميزانيات العالية والمخصصة للبحث العلمي، فلم يبق إلا من يأخذ زمام المبادرة بإنشاء مثل هذه المراكز والتي ستغرس في طلاب التعليم العام حب هذه التخصصات وهذه المشاريع وستنير عقولهم لمستقبل باهر ومشرق بإذن الله.

@ali21216