صالح بن حنيتم

أغلب الناس تتشابه في طريق رحلة الحياة.. فمرحلة الطفولة تعد المرحلة الأجمل في حياة الأغلبية، إذ لا يوجد هناك مسؤولية، ومع دخول المدرسة تبدأ رحلة المسؤولية مع أولى العتبات في سلالم التعليم، ثم تبدأ بعد ذلك مسؤولية الوظيفة، وتزداد المسؤوليات بعد الزواج والأطفال. الخ.. ومع مرور الأيام يكبر العيال ويصبح طفل الأمس أبا لأسرة اليوم! ولم تتوقف عجلة الحياة، فالأبناء والبنات كبروا (العيال كبرت!) فمنهم من غادر المنزل لأن وظيفته بعيدة عن إقامة الأسرة ومنهم من رغب في الاستقلال بنفسه لأسباب عدة، ليس المجال هنا لذكرها، ومع ظاهرة، الخصوصية والاستقلالية يهيمن على منزل الأسرة الكبير الصمت المخيف بعد أن كان يعج بأصوات الأبناء وضحكاتهم ولعبهم في ردهات ذلك المنزل الذي حرص الأب كل الحرص على أن يكون منزلا كبيرا يتسع للجميع، ولم يكن يعلم أن هناك مفاجآت غير سارة مع قادم الأيام عنوانها الرحيل المر!! هذا بالمختصر ما يحدث مع أغلب الأسر مع بعض الفروقات.

كان لابد من هذا السرد المبسط كمقدمة للمقال لنعيش الأجواء التي يعيشها الآباء والأمهات، فمهما طالت رحلة العمر وعشرته بين الزوجين لابد من الرحيل الأقسى من رحيل الأبناء، إنه فراق الشريك شريكه، فالموت سنة الحياة فقد ترحل الأم/ الزوجة وقد يرحل الأب/ الزوج، وقد يكون الرحيل بسبب الانفصال، ومع محطة الفراق تبدأ الرحلة الأصعب.

لست بصدد الحديث عن العاقين من الأبناء والبنات عندما قلت ستبدأ الرحلة الأصعب، فهؤلاء ليس لهم مكان بين سطور المقال، ولكن أقصد من يعتقدون بأنهم بأمهاتهم وآبائهم أبناء بررة، يقال إن كنت تنفذ كل ما يطلبه منك والداك فأنت من البارين بهما، ولكن الدرجة الأعلى من البر أن تتلمس وتتحسس حوائجهما قبل أن يطلباها.

زبدة المقال ورسالته لكل من يقف حجر عثرة في منع زواج والده أو والدته بحجج واهية، منها اقتصادية كالخوف من مشاركة الزوجة القادمة في (الميراث) بعد عمر طويل أو مشاعر عاطفية خاصة من قبل البنات اللاتي لن يسمحن بأن يحل مكان الوالدة امرأة غيرها في قلب الأب! القصص المبكية في هذا الجانب كثيرة ومؤلمة، لن يكفي المقال لسردها.

مثال ربما عايشه البعض، عندما يجتمع أفراد الأسرة في بيت الأب أو الأم، وبعد الاجتماع الأسبوعي أو الشهري يغادر الجميع مرددين هذا السؤال البارد لوالدهم (توصينا بشيء يابه!؟) أو البنات لأمهن (وش ناقصك يمة!؟) ماذا عسى الأم التي ما زالت في ريعان شبابها أن تقول لبناتها، وماذا سيرد الأب على عياله وعلى سؤالهم آنف الذكر؟

نهاية فيلم السهرة أو فيلم الأسرة بعد ما يغادر الجميع البنات مع أزواجهن والأبناء مع زوجاتهم، يغلق ذلك الأب على نفسه الباب يلتحف الذكريات بعد أن افترش ألم الوحدة، وأيضا تلك الأم التي حرمها أبناؤها أن تعيش حياتها كما يعيش غيرها تغلق بابها وفي نفس الوقت تفتح أبواب الذكريات الجميلة التي عاشتها مع شريكها الراحل، وتتمنى أن تعيش أحلاما مستقبلية وهذا من أبسط حقوقها، فهل يعي الأبناء والبنات احتياجات الآباء والأمهات؟

Saleh_hunaitem@