وول ستريت جورنال- والتر راسل ميد ترجمة- نورهان عباس

مكائدهما تقرب ألمانيا وأمريكا أكثر ولا تبعدهما

أحد أكبر مخاوف الخبراء بشأن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو سماحه للصين وروسيا بإبعاد أوروبا عن الولايات المتحدة، من خلال افتعال المشاكل بين واشنطن والحلفاء الأوروبيين الرئيسيين مثل ألمانيا.

وبعد أن تفاقمت التوترات عبر المحيط الأطلسي منذ عام 2016، وتبدل الرأي العام في دول أوروبا الرئيسية، كانت هناك بعض الدول الأوروبية التي انقلبت بحدة ضد الرئيس الأمريكي، وهناك إشارات قليلة تؤكد أن روسيا أو الصين تستفيدان بشكل فعال من هذا الوضع المعادي لأمريكا في أوروبا.

وبعيدًا عن محاولات قطع العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، يبدو أن الصين وروسيا تعملان على تقوية علاقتهما مع القارة العجوز حاليًا.

ومؤخرًا، أثار أليكسي نافالني - المنافس السياسي الرئيسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين - غضب الجمهور الألماني لدرجة أن المستشارة أنجيلا ميركل تعرضت لضغوط متجددة لإغلاق مشروع خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 المثير للجدل.

أيضًا، من الواضح أن موسكو تستعد لمضاعفة دعمها للزعيم البيلاروسي المحاصر ألكسندر لوكاشينكو، رغم تأييد الأوروبيين للاحتجاجات الشعبية السلمية ضد حكمه.

ويبدو أن شعبية الصين قلت بشكل كبير في جميع أنحاء أوروبا، خاصة بعد ظهور المزيد من التفاصيل المروعة حول معاملة الصين الديكتاتورية للأويغور، وحملة بكين على هونج كونج، وتهديداتها ضد تايوان، ومحاولاتها لزعزعة لوبي حقوق الإنسان القوي في أوروبا.

ومؤخرًا، ترأس رئيس مجلس الشيوخ التشيكي ميلوس فيسترسيل وفداً من 90 شخصاً إلى تايوان الأسبوع الماضي، أدانت وزارة الخارجية الصينية الزيارة وحذر وزير الخارجية الصيني وانغ يي من أن فيسترسيل سيدفع «ثمناً باهظاً» بسبب جرأته.

وكان خطاب فيسترسيل أمام مجلس الشيوخ التايواني استفزازيًا، حيث قال بلغة الماندرين: «أنا تايواني»، مرددًا كلمات مشابهة لخطاب الرئيس الأمريكي الراحل جون ف. كينيدي في برلين في ذروة الحرب الباردة.

واتسعت الفجوة بين الدول الأوروبية الكبرى والصين بشكل ملحوظ الأسبوع الماضي، بعدما دعت فرنسا إلى بذل جهد أوروبي لتطوير تقنية الجيل الخامس محلية، بدلاً من الاعتماد على شركة هواوي الصينية، كما اعتمدت ألمانيا إستراتيجية «المحيطين الهندي والهادئ» التي ستقلل من اعتمادها على الصين. وكان رد فعل المسئولين الفرنسيين والألمان غاضبًا على تهديدات الصين ضد التشيك.

وتشير هذه الأحداث إلى عدة استنتاجات، الأول: هو أنه لا الصين ولا روسيا على استعداد لفعل ما يلزم لفصل أوروبا وواشنطن عن بعضهما البعض. ويعود ذلك جزئيًا - كما يعلم الأمريكيون جيدًا - إلى أن أوروبا تحتاج من الصين وروسيا إلى دفع ثمن سياسي باهظ لدعمها.

فتلبية بكين أو موسكو للمطالب الأوروبية في كل شيء من تغير المناخ إلى حقوق الإنسان يتطلب تغييرات كبيرة، وربما لا ترغب أو ربما لا تستطيع أي من بكين أو موسكو القيام بهذه التغييرات.

والثاني أن التحالف عبر الأطلسي سيبقى مرتبطًا بنفس القوة الكبيرة، التي تخلق العديد من الروابط الدولية، حيث يجمعهم سويًا الشعور بالتهديد المشترك.

فعلى سبيل المثال، لم يحب رئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرشل والسكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي الأسبق جوزيف ستالين بعضهما البعض، لكنهما عملا معًا بسبب الخوف المتبادل من ألمانيا النازية.

وعلى نفس المنوال فميركل لا تحب ترامب والعكس صحيح، لكن يمكن لكليهما إدراك أهمية المصلحة المشتركة بين أمريكا وألمانيا. ويمكن لاتباع دبلوماسية أكثر سلاسة في واشنطن، أو وجود حكومة أكثر مرونة في برلين أن يمهد الطريق للتعاون بين البلدين عبر الأطلسي.

وكلا الطرفين الأوروبي والأمريكي لهما مساوئ وعيوب، حيث ترتكب الولايات المتحدة نصيبها الكامل من الأخطاء في السياسة الخارجية، ومن المعروف أيضًا أن الحلفاء الأوروبيين لأمريكا يتبعون أحيانًا سياسات مغلوطة. ولكن الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال أفضل لدول أوروبا من التعاون مع روسيا والصين.

وتتمثل إحدى المشكلات في أن الحكومات الاستبدادية الصينية والروسية اعتادت على التنمر وترهيب شعوبها لدرجة أنها تفشل في فهم كيف يمكن أن تؤدي هذه التكتيكات الديكتاتورية إلى نتائج عكسية عند نشرها في الخارج.

وفي داخل موسكو وبكين، يمكن إخضاع منتقدي النظام الاستبدادي بسهولة، لكن الحكومات الأجنبية لا يمكن إجبارها على القيام بالأمر نفسه.

أخيرًا، يمكن القول إن روسيا والصين يشعران بأن الملعب السياسي فارغ أمامهما الآن في أوروبا خلال الوقت الحالي. مع انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات والاستقطاب الداخلي، وما زال الاتحاد الأوروبي منقسمًا وبطيء الحركة، كما لا يبدو أن موسكو ولا بكين تخشيان عواقب سلوكها المتهور، لذا يمكن أن نقابل في بقية عام 2020 بعض المفاجآت السيئة الأخرى في هذا الصدد.

الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال أفضل لدول أوروبا من التعاون مع روسيا والصين