لمى الغلاييني

العالم الذي نراه حولنا منسوج من أفكارنا، ومن المادة الدقيقة لعقلنا، فنحن كل يوم، وكل دقيقة وبمساعدة عقلنا نشكل عالما خاصا بنا حول أنفسنا، ونصنع واقعنا، وننسج مصيرنا، لأن الظاهر يكافئ الباطن، وطبيعة إدراكنا الداخلي هي التي تشكل ملامح العالم الخارجي المحيط بنا، مع التأكيد بأن لكل واحد عالمه الخاص والفريد، فعقلنا هو الساحر الأكبر، وكل ما فكرنا به في عام مضى أو حتى عشرة أعوام ماضية، سنلاحظ بأنه بدأ يتجلى في حياتنا ويتجسد في عالمنا الخارجي، ولو تم استبدال الباطن وتغيير الأفكار القديمة بجديدة، سنلمس ظهور عالم خارجي مختلف حولنا، ولا شك بأن لدى كل منا عشرات المواقف المؤكدة التي شاهد فيها بعينه أنه ما إن فكر بشيء حتى حصل على ما فكر به سلبا أم إيجابا، وتأمل هذا الأمر سيسمح لك بإدراك تماسك العلاقة بين الظاهر والباطن، وأن العقل ينتشر مستعرضا نفسه من الداخل للخارج، وهكذا يحدث الاتصال مع الحياة، حيث يكافئ الظاهر الباطن ويشكل الباطن الظاهر، فإذا نظرنا إلى أعماق أنفسنا سندرك نوع عالمنا، وإذا نظرنا إلى عالمنا الخارجي سندرك طبيعة أفكارنا الداخلية، فعندما يسمي العقل شيئا ما يبدأ هذا الشيء بالتشكل، وتنبعث اهتزازات الفكرة لتبدأ في تشكيل الجوهر الدقيق الذي يتجسد وجوده، وهذا يفسر معنى في البدء كان الكلمة، فالساحر الأهم هو عقلنا، والأدوات الرئيسية التي يستخدمها لتكوين الأشياء هي الكلمة والاهتزاز، ولقد أدرك الإنسان قدرته على الإبداع، أي على تجسيد أفكاره الداخلية ورغباته وترجمتها خارجيا، فالعقل الذي يقع بداخلنا هو الفراغ القادر على الانعكاس والإبداع خارجا، وهذا يؤكد القانون الكوني بأن الخارج يعادل الداخل ويفسر علاقات كثيرة قائمة بين الإنسان والعالم، وهو يعني كذلك أن مخاوفنا مدونة في الجسد في مناطق مختلفة، وستتحول مع التراكم لأمراض مزمنة، وكلما كانت أقل، تصالح الإنسان مع جسده، وازدادت فيه روح الحياة، وتعايش مع الوجود على نحو أكثر وضوحا وعمقا، فالواعي يدرك بيقين أن مواقف وأحداث الخارج هي نتيجة قناعات وأفكار الداخل، وما ننويه في الداخل نجنيه في الخارج، وعندما لا يعجبنا ما نعيشه في عالمنا الخارجي علينا أن نتجه لتطهير البيت الداخلي.

LamaAlghalayini@