عبدالعزيز الذكير يكتب:

وصلت إلى مساحة رأيت فيها رقم الهاتف النقال أصبح رديفا -قل يتعلى- على أهمية رقم الهوية الوطنية. كم رقم جوالك؟ سؤال تسمعه عند كل تعامل. من لا يملك رقم هاتف نقال فهو خارج العمران.

لا حظت أثناء إقامتي في بريطانيا فترة عملي في الملحقية التعليمية، أن من لا يستطيع إعطاء عنوان محدد بالشارع ورقم المنزل، يوضع في الخانة تحت (بدون عنوان ثابت) No fixed address – وهذا لا شك لا يعطي القارئ أو المتعامل الانطباع الذي ينشده الفرد السوي في المجتمع الغربي.

في الغرب عامة وبريطانيا خاصة، العنوان أحد طرق التمييز بين الأشخاص الذين قد تتشابه أسماؤهم، وهو أيضا أحد طرق الاستدلال لتنفيذ الخدمات للمجتمع، على أساس أن كل شخص لا مأوى ثابت له هو خارج المتعارف، وأنه لا بد أن يأوي وينام وخلاف هذا هو متشرد.

ومن تساهيل العنوان الثابت أنه لا يلزم المرء اتخاذ عنوان واحد لا يتغير، فهو حر بأن يتنقل حيث شاء، وسيجد بريده يتابعه من نزل إلى آخر ويسمونه: تحويل البريد، وهو خدمة دارجة ومتعارف عليها.

والمطلع على الجوانب القانونية في بريطانيا يرى أن المحامين ورجال المحاكم والقضاء لا يرون اكتمال القضية إلا بعد التأكد من إقامة الأطراف بذكر رقم المنزل الذي يسكن فيه الشخص واسم الشارع، وذلك من أجل التخلص الكامل من تشابه الأسماء. فعند الحكم مثلا لا بد أن يقول القاضي فلان الفلاني الساكن بالرقم كذا من شارع كذا في مدينة كذا في مقاطعة كذا.

أعذر مدنا في بريطانيا بالتشدد في وجوب التعاطي مع العنوان بجد واهتمام، والسبب أن أعدادا كبيرة من الأفراد يحملون ذات الاسم (جون براون.. ديفيد ماكدونالد... فيليب كرومويل إلى آخره).

والجميل في الموضوع أن السعودية رأت أهمية مقر الإقامة للأفرد، وإن لم تزل في البدايات، بعد أن قامت الحاجة فاستحدثت نظام العنوان الوطني ولمسنا قبول الناس لتلك الخطوة بديلة عن نسبة الأفراد إلى بقعتهم الأصلية، بحكم مسقط الرأس.

ومر علينا وقت كان المرء يتميز.. أو يميز اسمه بجهة عمله. فيقال مثلا: فلان بن فلان.. فيسأل السائل: المواصلات؟ فيجيب المتحدث: لا.. المياه..! وهكذا، والسبب أن اثنين يحملان نفس الاسم الثلاثي يعملان ضمن مدينة واحدة في دائرتين مختلفتين.

رأينا عندنا المؤسسات الأهلية والدوائر الرسمية تكتفي الآن من الفرد برقم هاتفه النقال، وظاهر أننا قفزنا من «راعي....» إلى الجوال. دون أن نمر بوجوب تحديد عنوان السكن.

A_Althukair@