ماجد عبدالله السحيمي

التقى سمير وأحمد لقاء غير مخطط أثناء التسوق، وإذا بهما يستذكران دراستهما في الثانوية، واتفقا على تحديد موعد ودعوة بعض الزملاء الآخرين آنذاك ليكون الاستذكار لتلك الأيام جماعيا. وفعلا كان الاجتماع في بيت أحمد فحضر سمير وخالد وريان وكانوا درسوا في الهندسة والإدارة والآداب واللغة العربية وعلوم الأرض.

بدأ أحمد مرحبا وقائلا: كانت صدفة جميلة أن نلتقى أنا وسمير وندعو لهذا الاجتماع بعد أن مضى كل منا في طريقه بعد الثانوية فأنا ذهبت إلى أمريكا وهو لألمانيا فماذا عنكم يا شباب؟ رد ريان وقال: تدرجت في الجامعة حتى تخرجت في مجال الطاقة ونلت وظيفة تلاقي مهاراتي، ولكن للأسف واجهت بعض المدراء السيئين فكانوا يحاربونني حتى أدركت أن الملوثين لا يستوعبون وجود الأنقياء، فقررت الاستقالة والبحث عن وظيفة أخرى.

أما سمير فقال: «أنا جدا انتريستينق بعلوم الأرض وكيذا فقررت أتخصص جيولوجي وبصراحة كان بأمريكا هالتخصص حلو وتشوفه قدامك عندهم لأنهم مثل القارة ات هاز إڨري ثينق فهو يهتم باللايرز المختلفة من السكاي مرورا بالوذر وحتى داون ذا جراوند».

وفي أثناء ذلك دخل فهد فناداه ريان أهلا بأديبنا الكبير تفضل، فسلم عليهم وقالوا تفضل في صدر المجلس، فرد فهد وقال أينما يجلس سقراط تكون القمة فضحكوا جميعا، طلبوا من فهد قصته فقال: درست الرياضيات بعقلي ولكن قلبي اختار الأدب، فهو يقوم لساني ويوسع مداركي ويحرك مشاعري ويهيم بها لتحلق فوق غيوم الإحساس وتشرق عليها شمس اللاحدود. فضحكوا جميعا، وقبل الانتقال إلى المقلط لتناول العشاء قال سمير: «وأنت يا أحمد تراك معزبنا الليلة وما قلت لنا قصتك»، فقال أحمد: «بصراحة تذكرون من أيام الفصل أنا كنت العريف وكنت دايم أحب اتزعم وأصير ليدر فقررت أخذ كورسات ليدرشيب وحسيت أن هذا هو ماي آرت والحمد لله تخرجت وأنا الحين باك تو هوم».

القصة أعلاه نسجتها من خيالي حرفيا ولكنها معنويا ليست كذلك فقد تكررت في كثير من المجالس ولا غرابة حتى الآن، الغريب لو سألت أي متابع لمثل هذه الحالات لحكم عليهم جميعا بأنهم من النخب والمثقفين، وأنا هنا لست بتأكيد ولا بدحض ذلك إنما أتساءل هل هذا المشهد كاف للتعريف بمن هو المثقف؟ هل نطلق على هؤلاء مثقفون؟ هناك مراجع عدة عرفت الثقافة فقالت بعضها إنها وسيلة تحسن من وضع الإنسان، حيث يستطيع مواكبة التغيرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية. وقالت أخرى إنها نظام متكامل يشتمل على كل من المعرفة والفن والقانون والعادات والتقاليد والأخلاق، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع.

أما تعريف أخوكم العبد الفقير إلى الله فأقول إن المثقف هو من يستطيع أن يتعايش مع ما حوله ومع ما يهتم به ويستطيع أن يعبر للناس بطريقة سهلة من خلال اطلاعه وقراءاته وتحليله واستيعابه، ليس بالمعلومات فقط بل بكل أنماط الحياة، فلا يمكنني أن أطلق وصف مثقف على شخص نهم في القراءة ومتابع للأخبار يستخدم مفردات بلغات مختلفة ونظريات لعلماء بينما هو زوج لا يعرف المسؤولية ولا يجيد تربية الأبناء ولا يتمالك نفسه عند قيادة السيارة أو يجتمع في عادات وسلوكيات سيئة مع من هم أقل منه في كل شيء، هنا يندثر لدي مفهوم الثقافة الذي كان مقتصرا لدى الكثيرين بمعرفة أسماء الكتب والكلمات المنمقة ومقولات المؤلفين وبعض المفردات المترجمة فهذه متاجرة بالثقافة. وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا (النوايا الطيبة لا تخسر أبدا) في أمان الله.

Majid_Alsuhaimi@