د. محمد حامد الغامدي

n جاءت كورونا لتؤكد، ما ذهبت إليه من أفكار حول الماء، خلال العقود الثلاثة الماضية. وكعادتي في عزلتي، استعرضت حقائق الماء. وكنت قد دعوت أن يكون الماء محور أي تنمية زراعية. ذلكم بسبب ندرة موارده وشح تواجده. أيضا في ظل تعاظم حاجتنا إليه، جيلا بعد آخر، حيث الماء يحدد المصير.

n فهم حقيقة ندرة مواردنا المائية. فهم عدم تجاوز هذه الحقيقة ومحاذيرها. فهم أن مياهنا الجوفية تنقص ولا تزيد. فهم أن كميات استنزاف المياه يفوق التعويض. فهم أن أمطارنا على ندرتها ضائعة، ومناطقها تتهدم، وبيئتها تتصحر، وغاباتها تموت. حتى الأمطار.. لا يتم استثمارها لتغذية المياه الجوفية. حتى السدود.. قدمتها علميا كمؤشر على التصحر.

n أقدم أفكار وقراءات مبنية على حقائق علمية. لماذا انخفضت مناسيب المياه الجوفية؟ لماذا نضبت مياه ينابيع الأحساء؟ أين المشاريع المستدامة لوزارة البيئة والمياه والزراعة منذ إنشائها؟ أين المناطق الزراعية التقليدية، وماذا بقي منها؟ أين الأسر الريفية الزراعية التي كانت سائدة عبر القرون؟ جاءت كرونا لتعزز مسيرتي في الدفاع عن المياه، لصالح الأمن الغذائي، والأجيال القادمة.

n من لم يعرف الأحساء، لن يدرك خطورة ومعنى نضوب المياه الجوفية. أحمل إجازتي الدكتوراه في مجال حفظ المياه واستدامتها. وكانت الأحساء ميدانها، وأتشرف. بها أصبحت عالما في هذا المجال. هذا يعني أن شخصي أصبح مؤهلا بالعلم المعتمد، لبناء الخبرة الشخصية. لا أقدم خواطر.. لكن أقدم أفكارا علمية موثوقة.. وهذه وظيفتي كعالم وأفتخر.

n الخبرة العلمية تأتي من خلال ممارسة العلم. حيث يجعلك تواصل البحث العلمي في مجال التخصص، ليصبح حامل الإجازة خبيرا، قادرا على إعطاء التفسيرات العلمية. وأيضا توظيف العلم والخبرات.. لحل المشاكل والتحديات، وتحديد الاحتياجات، واكتساب الخبرة في قراءة مؤشرات الواقع، للتنبؤ بحال المستقبل في ظل استمرار المؤشرات.

n قضية العلم والعقل مشكلة معقدة في غياب الاستيعاب. فهل هناك استيعاب لحقيقة ندرة المياه؟ في زمن كورونا تجد من يحشر نفسه، في كل شيء، حتى بسرقة الأفكار. وقد وضعت العرب حدا لهذه المهزلة عندما قالت: أعط الخباز خبزه ولو أكل نصفه. جزء من مشكلة الماء والزراعة، يكمن في الاتكالية، والاجتهادات، والتفسيرات الغيبية، مع حزمة أخرى، عدم الحديث عنها فضيلة.

n يأتي ذلك الشرح في زمن كورونا. حيث البعض ما زال يخلط بين التخصصات وفلسفتها. وكأنه في سوق حراج بن قاسم الشهير بالرياض. أو في مجالس الاستراحات. حيث شعارها: خذ بيوم السَّعد حدّه.

n في ظل شح موارد الماء.. ناديت.. وما زلت.. وسأظل أنادي.. بضرورة تجنب التوسع في زراعة الأشجار المثمرة.. من زيتون وفواكه ونخل، وغيرها، في جميع مناطق المملكة. التوسع في زراعتها خطأ إستراتيجي، يجب تصحيحه فورا. أثبتت جائحة كورونا أننا نستطيع العيش دون ثمارها. فهي ليست غذاء أساسيا، ولن تكون. أثبتت جائحة كورونا بملامحها البائسة صدق ندائي.

n في الوقت الذي نحن بحاجة لكل قطرة ماء، نجد أعداد الأشجار المثمرة أصبحت بالملايين. تستنزف وتهدر سنويا مليارات الأمتار المكعبة، من مياهنا الجوفية الثمينة والنادرة والمحدودة. زراعتها عبث حقيقي في غياب الإستراتيجية الزراعية. أيضا في تغييب أن يكون الماء محور الأولويات والمبادرات، وبرامج التنمية الزراعية المستدامة.

n الزراعة علم، ومهنة، وضرورة، ومسؤولية، والتزام. الزراعة في بلدنا -حفظه الله-، ليست مجالا لاستثمار الشركات، ورجال الأعمال، والموظفين. الزراعة ليست ترفا، وتفاخرا، وإهدار مياه. الزراعة في بلدنا يجب أن تكون قوتا لا يموت، زراعة الرمق الأخير.

@DrAlghamdiMH