د. جاسم المطوع

إحدى النساء كانت تشتكي من عدم احتضان زوجها لها ففكرت بطريقة ذكية لعلاج المشكلة، وإحدى الأمهات تسأل وتقول لماذا لما أحتضن ابني المراهق يتخشب ولا يتفاعل معي؟ فالاحتضان لغة للتعبير عن الحب والشوق والدفء، ولا يختلف الرجل عن المرأة في حاجتهما للاحتضان، فالزوجة التي ذكرت أنها عالجت مشكلة عدم احتضان زوجها كانت كل يوم عندما يذهبا للنوم تأخذ يده وتضعها على رأسها، وتقول مع تكراري لهذا الفعل تعلم زوجي يحضنني كل يوم، وأما الأم التي سألت عن تخشب ابنها عندما تحضنه، قلت لها ربما لأنه يشعر أنه رجل وقد كبر بالسن فلا يعرف كيف يتعامل مع عواطفه وقت الاحتضان.

فالاحتضان سلوك مهم ويحتاجه الإنسان في كل مراحل حياته من الطفولة وحتى الشيخوخة، أما أنواعه ولغته التعبيرية فهي كثيرة منها يرافق الاحتضان النظر بالعينين فهذه رسالة واضحة تعني التعبير عن الحب وغالبا ما تكون المشاعر فيها صادقة، وأما الحضن القوي فهو تعبير قوي عن الشوق لو كان بين الزوجين، ويكون تعبيرا عن الانتصار لو كان الشخص مر بأزمة أو ابتلاء واستطاع أن يتجاوزه، ويكون تعبيرا عن الضحك والمرح لو كان وقت المزاح، فوقت الاحتضان له تأثير في الرسالة العاطفية التي ترسل من الحاضن للمحضون، وأما الحضن مع التربيت على الرأس أو الظهر، فهذا يدل على الحنان والمحبة وغالبا ما يستخدم من النساء تجاه الأطفال لو كانت أما مع أولادها أو من الزوجة تجاه زوجها، وأحيانا يستخدم هذا النوع من الحضن لتوصيل رسالة بالدعم المعنوي والمساندة والمواساة والوقوف مع المحضون أثناء الحدث الذي يمر به.

أما الحضن من الخلف فهو غالبا ما يكون بين الزوجين، فلو حصل من الرجل تجاه المرأة أثناء قيامها بعملها فقد يكون المعنى أنه يريد مشاركتها بأعمالها، أو قد يريد توصيل رسالة لها بمحبته واشتياقه لها، ولو كان الحضن من الخلف من المرأة للرجل ففي الغالب تكون هي بحاجة له وقد يكون مزاجها غير مستقر وتريد أن ترتاح أو تقول له أنا بحاجة إليك، أما الحضن الطويل فهو تعبير عن الحاجة الماسة للمحضون وأن الحاضن يتمنى أن العلاقة تطول ولا تنتهي مع المحضون، وقد يكون تعبيرا عن مرحلة الضعف الذي يمر بها الحاضن، أو قد يحدث أثناء سفر المحضون لفترة طويلة مثل سفر الولد للدراسة فتحضنه أمه لفترة طويلة، أو الفراق الطويل للمحبين، أما الحضن الذي يرفع فيه الرجل المرأة من الأرض لو كان وزنها بالنسبة له خفيفا، فهو تعبير على سعادته برؤيتها واشتياقه لها، وإذا كان الحضن من الجنب وغالبا ما يكون أثناء المشي فيكون تعبيرا عن الحب للتلاصق الجسدي بين الطرفين، أما الحضن السريع وهو الحضن الذي يستغرق ثواني معدودات فهو تعبير عن الاهتمام والرغبة في التلامس الجسدي، فالحضن لغة عاطفية مهمة للجنسين

وقد ورد أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم احتضن بعض أصحابه وقبلهم وقبل بين عيونهم، وقد فعل ذلك مع جعفر بن أبي طالب عندما رجع من السفر إلى الحبشة، وكذلك فعل مع أسامة بن زيد وابنته فاطمة رضي الله عنهم جميعا، فالاحتضان حاجة أساسية للإنسان ولهذا من أول لحظة خروج الطفل للدنيا تحضنه أمه ويظل يحتاج الإنسان للاحتضان طول عمره، ويقرر الأطباء أن الإنسان يحتاج باليوم أربع مرات احتضان؛ لأن الحضن يفرز هرمون السعادة، ويقوي المناعة، ويساعد على ارتخاء العضلات، ويساعد على توازن الجهاز العصبي، ويخفف التوتر ويحقق الدفء، ولهذا نحن أثناء الوضوء للصلاة ندلك أطرافنا ونعمل لهم مساجا طبيعيا خمس مرات باليوم لأن اللمس يشعر الإنسان بالراحة والاستقرار، فكيف لو كان اللمس من محب، فالحضن فرحة وأمان وقبول، وحضن الأم يعطي الدفء والحنان، وحضن الزوج يعطي الحب والاستقرار، وحضن كبير السن يعطي الراحة والدعم.

drjasem@