فهد السلمان

أقرأ في كتاب «موجز تاريخ كل شيء تقريبًا» لـ «بيل برايسون» والذي نقله إلى العربية أسامة إسبر، وهو كتاب يتناول أبرز الاكتشافات والأبحاث العلمية، ويستعرض أهم المنجزات العلمية في مختلف الاختصاصات على مستوى العالم، كما يشير بالاسم لعشرات المكتشفين وقصص نجاحاتهم، ومراكز البحوث والجامعات التي تبنّتْ مشاريعهم، وأنا على يقين أن أي قارئ عربي لهذا الكتاب وما يشبهه من الكتب التي تؤرخ للإنجازات العلمية، سيتعرض لما تعرضتُ له، حين يخترق السؤال الأهم كالسهم قاع دماغك متسائلًا عن موقع الأمة العربية التي تجاوز تعدادها الـ 407 ملايين نسمة، أي ما يقارب الـ 6% من سكان العالم، أين موقعها بعلمائها بأساتذة جامعاتها، بجامعاتها، بمراكز بحوثها، من الإعراب في هذا المجال الذي يشكل لبّ الحضارة الحديثة؟. لقد أفرد المؤلف مقدمة طويلة خص بها كل من ساعده من العلماء في تصحيح المعلومة العلمية، واستعرض بالتالي عشرات الأسماء من مختلف دول العالم، ولم أجد من بينها اسمًا عربيًا واحدًا، عدا واحد اسمه «وليم عبدو»، ولعله ليس عربيًا أيضًا، وإنما أحد أبناء المهاجرين، ما عداه تحضر الهند وتحضر أستراليا، وحتى دول أوروبا الشرقية بعلمائها، فيما لا وجود على الإطلاق للعرب ولا جامعاتهم ولا مراكزهم، وكأننا أمة هامشية لا قيمة لها إلا بتعدادها، وثرواتها الخام.

ولأن الموضوع كبير، ومن الصعب السيطرة عليه، فسأختصر تداعياتي مع هذا الكتاب، والذي كُتب ليستوعبه العامة مثلي، ممن ليس له في العلوم، لأتساءل: ما هي الصفة التصنيفية الأكاديمية لجامعاتنا أمام جامعات مثل جامعة بيركلي، شيكاغو، ييل، ستانفورد، بنسلفانيا، أكسفورد، كمبريدج وغيرها مما يصعب حصره؟، ما القيمة «العلمية» التي تقدمها جامعاتنا غير استنساخ ما تنتجه تلك الجامعات من العلوم والاكتشافات والاختراعات، ودحشها في عقول طلابها؟، ما الفارق العلمي بين الثانوية العامة وبعض الجامعات؟، ما حجم مراكز البحوث في جامعاتنا؟، وما إمكانياتها؟، وتجهيزاتها، وموازناتها؟، ما مدى المرونة في تقبل مجالس الجامعات للبحث العلمي، واستعدادها للمغامرة فيه إلى أقصى مدى؟، ـ وأرجو ألا تذكروني بتجربة غزال! ـ، لأني أتحدث عن البحث في إطار العبقرية، وليس مجرد تقليد ما سبقنا به الآخرون. من وجهة نظري معظم جامعاتنا لا تزال تراوح مكانها، وما باتتْ عليه مساء البارحة ستفيق عليه هذا الصباح، وستواجهه في الغد، لأنها لم تستوعب بعد أن دورها الأساس هو أن تكون أشبه بخزانات التفكير والبحث، وليس مجرد قاعات تلقين.

عمومًا ستظل هذه الأسئلة قائمة، ومشروعة، وربما عالقة في الحلق كالغصة، إلى أن يأذن الله بأن تكون هذه الجامعات أو بعضها على الأقل معقلًا للعلماء والمفكرين أكثر ما هي دواوين للموظفين، وقاعات وفصول، حتى لا نضطر طويلًا للبحث عنّا.

fmsr888@gmail.com