لمي الغلاييني

في محيط كل منا أشخاص يعانون مما سنطلق عليه مصطلح «متلازمة صور السيلفي»، ويشتركون في أعراض الانغماس الكلي في تعظيم الذات الذي يتسبب في افتراضات وهمية تشمل الاعتقاد بأن الناس يهتمون بما تناولته على الإفطار، أو بأنك تقضي أفضل إجازة في أفخم الفنادق، واليوم هو عيد ميلاد ابنك، مما جعل متلازمة صور السيلفي تتحول إلى وباء نرجسي يتسع انتشار فيروساته يوميا كالهشيم، ويزداد فيه معدل انتشار الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم محور الكون، فهم يدورون حول أنفسهم ولا يستطيعون تجاوز الأنا الخاصة بهم للنظر لمن يحيطون بهم، لأن التركيز الشديد على الذات يتسبب في التعمية على رؤيتنا لمن يحيطون بنا، ويحرف من دقتنا في رؤية أنفسنا على بصيرة، فلقد أظهرت الأبحاث على وجه العموم بأن هناك علاقة عكسية بين ما نشعر به من تميز ومدى وعينا بأنفسنا، فالأشخاص الذين ينشرون أكبر عدد من صور السيلفي على مواقع التواصل هم الأقل إدراكا لما يسببه هذا السلوك من إزعاج أو سخرية لبقية الناس.

وعندما نتفحص شخصياتنا على مواقع التواصل الاجتماعي سنجد أن فكرة إصابتنا بالعدوى النرجسية سريعة جدا، ففي أغلب الاتصالات عبر شبكة الإنترنت لا يمكننا رؤية ردود أفعال الطرف الآخر، مما يؤدي لتعاملات مختصرة تجعلنا نضخم من ذواتنا ونرى الآخرين بطريقة سطحية تماما.

ولا بد أن تفكيرك الحالي اتجه للبحث عن أصدقائك النرجسيين على مواقع التواصل، أو أحد المؤثرين الذين لا يهتمون إلا باستعراض روعة حياتهم، ولكنني أشجعك على توجيه أصابعك نحوك داخليا بأن تتفحص دوافعك وكيفية تعاملك مع وسائل التواصل، وتسأل نفسك، ما الذي يدور في ذهني حين أنشر صورة عن إجازتي الرائعة؟ ما الرسالة التي أرغب في إيصالها عن شخصي؟ ما الذي أهدف لتحقيقه من ذلك؟ وستكتشف أن قلة منا تمارس الاستبصار بطريقة عقلانية أو تحليلية في تحليل عاداتها أو دوافعها على مواقع التواصل، بينما تتصرف الأغلبية بشكل روتيني لا واعي يدور في الدوامة بلا هدف، وهنا تزداد المعضلة التي تجعلنا نتساءل، لماذا نستخدم مواقع التواصل الاجتماعي؟ فالمفترض من مسماها أن الهدف الرئيسي هو للحفاظ على علاقاتنا، ولكن الدراسات توضح أن ذلك السبب جاء في المرتبة الأخيرة، ويأتي على رأس القائمة مشاركة المعلومات عن أنفسنا، ويلاحظ الخبراء أن الانغماس في تقديس الذات يقلل من تعاطفنا الذكي مع الآخرين، ويزيد من فيروس النرجسية، وهذه النقطة قد تجعلنا ندور في حلقة التساؤل الفلسفي الوجودي عن البيضة والدجاجة، فهل زيادة التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي تسبب النرجسية؟ أم أن الأشخاص النرجسيين المنغمسين في تعظيم الأنا هم الأكثر استخداما لهذه التطبيقات؟ وهل تتسبب مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة الانغماس الذاتي؟.