د. فالح العجمي

ما نقصده بمصطلح «العادي» هو الشخص غير السياسي وغير المتاجر بمشاعر الناس في أي مجال كان. والعاديون هم أغلبية كبيرة في مجتمعات العالم القديم والحديث، لكنهم في الغالب مبعدون عن القرار في الخيارات العامة، وحتى فيما يهمهم بالدرجة الأولى؛ سواء كان ذلك في أمور معاشهم، أو في الأمور العامة التي يتأثرون بها إذا اتجهت إلى مسارات غير إيجابية. بالطبع هناك إمكانات لمحاسبة السياسي في الانتخابات القادمة بالنسبة للبلدان التي تخضع لحكم ديمقراطي، لكن اللعبة تكون أحياناً أكبر من أن يفهمها الناخب العادي، الذي يكون عليه أحياناً أن يختار بين الأسوأ والسيئ، إذا كانت مؤسسات السياسة متداخلة مع مؤسسات الابتزاز الأخرى.

عودة إلى وضع المواطن العادي أمام الصراع بين العمالقة، الذي تمثله حالياً الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين؛ فالفرد الذي يعيش في بلد غربي (في الولايات المتحدة أو بقية البلدان الغربية) لا يتابع كثيراً ما يجري بين القوى الكبرى من أجل حيازة القوة ومصادرها واستمرار التحكم بها، ولا يهمه كثيراً ما يدعيه رجال السياسة من أمور بعضها واقعي، وبعضها الآخر فيه احتيال وسعي للحصول على مكاسب في الداخل أو الخارج. ولا يبتعد كثيراً عن المواطن العادي الغربي أيضاً الشخص العادي في الصين، أو أي بلد آخر خارج المنظومة الغربية، المتحكمة حالياً في مفاتيح الاقتصاد والسياسة. لكن المناوشات العميقة الجذور، التي بدأت في هذا العام بين صاحبي الترتيب الأول والثاني في الاقتصاد العالمي، سيكون لها أثر كبير في العلاقات الدولية من جهة، وفي تحولات القوى وموضعة العوامل التي ستتحكم في الحقبة القادمة؛ وأظن التاريخ سيذكر هذه الفترة بوصفها مرحلة انتقالية لإعادة ترتيب اقتصادات العالم من جديد.

فليس من الأمور المعتادة، منذ انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية (ومعها المعسكر الرأسمالي) والاتحاد السوفييتي السابق (ومعه المعسكر الشيوعي)، ما بدأت به الولايات المتحدة الأمريكية من إجراءات عقابية ضد الصين برفع الرسوم على وراداتها منها من جهة، ومن إدراج عملاق الصناعة الصينية هواوي على لائحة العقوبات نتيجة اتهامها بممارسات تجسسية لصالح الصين من جهة أخرى؛ حيث تضطر الشركات الأمريكية الكبرى إلى تقليص أو أيقاف كثير من عمليات الدعم التكاملي المعتاد في الأجهزة الإكترونية المعقدة. وفي المقابل لم تقف الصين موقف المتفرج أو المنتظر تلك العقوبات، بل لوحت برفع الرسوم على واردات أمريكية تفوق تلك الواردات الصينية؛ ومن جهة أخرى لمحت إلى إمكان إيقاف الصادرات الصينية من المواد الخام التي تتفرد هي بإنتاجها في العالم، وتحتاجها كثير من الصناعات الأمريكية، مما جعل الرئيس الأمريكي يصدر قراراً بإرجاء العقوبات على شركة هواوي الصينية لمدة ثلاثة أشهر، وقد تُلغى العقوبات خلال تلك الفترة.

الجدير بالذكر أن شركة هواوي ليست شركة هواتف محمولة فحسب (وإن كانت تحتل المرتبة الثانية عالمياً)، بل هي أكثر من ذلك أكبر مزود في العالم لمعدات الشبكات، مثلما أنها هي الأب الروحي لشبكة 5G اللاسلكية التي ستتحكم في كثير من تقنيات العالم المقبلة، بما في ذلك السيارات ذاتية القيادة، وجراحة الروبوت، وعمليات النقل الإلكتروني الفائقة السرعة. فهل يفهم المواطن «العادي» أن تلك الإجراءات الأمريكية هي محاولات لتعطيل التنين الصيني عن سيادة العالم؟.