عبدالعزيز الذكير

في إنجلترا أثناء عملي في الملحقية الثقافية، اعتدتُ أن أستغل فترة بعد الظهر في الذهاب إلى المحاكم وسماع قضايا جنائية تتصل بواقع الحياة في مدينة كبيرة مثل لندن، وتُتاح الفرصة للراغبين من عامة الناس للجلوس في المقاعد المخصصة للجمهور.

لو قلّبت داخل ذهني لوجدتني محاميا بامتياز، ففي عالم الإيجار يعتمدون على التذكير أولا بحلول الإيجار.

والمتبع أن يتلقى المتأخّر عن تسديد الإيجار عن العقار الذي يشغله مذكرة عادية في أول أسبوع يسمونها (تذكيرا) أو بالإنجليزية تقول له: إن العقد المبرم بيننا وبينكم يُشير إلى حلول دفع الإيجار. ونعذركم إذا كان الأمر قد مرّ عليكم دون ملاحظة أو أنه غاب عن ذهنكم. ونأمل سرعة التسديد، من أجل تسوية سجلاتنا.

وبعد مرور 14 يوما على المذكرة الأولى تصل المستأجر مذكرة أخرى تقول: ما بيدنا ما يشير إلى استلامكم مذكرتنا المؤرخة / - / - بشأن ما بذمتكم عن إيجار العقار الذي يستحق عليكم بتاريخ (.. ). ونودّ - بكل احترام – إفادتكم بأنه ما لم نسمع منكم خلال السبعة الأيام القادمة فإن الموضوع سينتقل إلى أيد أخرى. ومعنى الجملة الأخيرة أن القضية ستتحوّل إلى محام ينذر الساكن، ليُعتبر ذلك الإنذار جزءا من ملف القضية التي ستنتهي بالمحكمة.

وبموجب العقد سيدفع الساكن تكلفة المحامي وتكلفة جلسة النظر بالإضافة إلى الإيجار ما لم يثبت أن هناك ظرفا قاهرا منع المستأجر عن الدفع. وسينتفي هذا العذر أيضا لأن القاضي سيسأله لماذا لم تجب المحامي وتُطلعه على العذر (ولا تبلشنا).

وبهذه الآلية المؤدبة تقل عمليات المماطلة في تسديد الحقوق، وقد اعتاد الناس هناك (في الغرب) على التسامح إذا ظهرت نية حسنة من أحد الأطراف، كإعطاء المستأجر فترة سماح يتدبّر خلالها أمره.

وتوجد بل تكثر عندنا ظاهرة المماطلة في دفع الإيجار. ويعتمد المماطل عادة على كثرة الإرجاء في المحاكم، أو على عدم صرامة وجدية آلية التنفيذ، أو على عدم فعالية الجلب. وبعض المماطلين يصبحون هم سادة الموضوع، والرجاء والتوسل يأتيان من صاحب الحق لا من آكله. ولهذا - فيما يبدو - يتجنب ملاك العقار المغامرة، والتردد في قبول بعض الناس، وهذا يترك أزمة في سد الحاجة.

شركات التحصيل في أمريكا تقول لعميلها: «حتى الآن الذي يخاطبك هو الحاسوب، فادفع المستحق قبل أن نُرسل رجلًا..»!! وقصدهم: ما دون الحلق إلا اليدان. وبعض شركات تحصيل أقساط السيارات هناك يعمدون إلى استئجار «لصوص سيارات سابقين محترفين كي يسرقوا المركبة التي مرّ على أقساطها زمن دون تسديد، ويرون في العملية «أبلغ من الإجراءات القانونية.