لمي الغلاييني

كان فرويد يميل لتفسير الغرور بتشبيهه بالخيال الذي يمتطي الحصان، فدوافعنا غير الواعية هي الحصان، بينما الغرور هو الخيال الذي يحاول أن يوجه الحصان، ويمكننا وصفه بتعريف أبسط من ذلك، فهو الاعتقاد المبالغ فيه بأهميتنا، والطموح الأناني، أو الطفل المشاكس القابع بداخل كل شخص، الذي يود الحصول على ما يريد على حساب أي شيء أو أي شخص، فالغرور هو الحاجة إلى أن تكون أفضل من فلان أو تحظى بالمزيد من كذا أو تتميز بشيء ما، والإحساس بالأفضلية الذي يتجاوز حدود الثقة، ويظهر الغرور حين يكون الانطباع الشخصي عن أنفسنا وعن العالم مبالغا فيه لدرجة أنه يبدأ في تشويه الحقيقة التي تحيط بِنَا، ويسحبنا إلى أسفل مثل قانون الجاذبية، فتتحول الثقة بالنفس إلى غطرسة، ويتحول تأكيد الذات إلى عنجهية الرأي، وبهذه الطريقة يصبح الغرور أخطر أعداء الذات، لأنه عدو تكرار نجاحك والحفاظ عليه، ويبعد المكاسب والفرص ويجلب الأعداء والأخطاء، ويجعلك كالمستجير من الرمضاء بالنار،

ومع كل طموح أو هدف لدينا، كبيرا كان أو صغيرا، يحاول الغرور إحباطنا وعرقلة خطواتنا خلال رحلتنا التي بذلناها للانطلاق، لأنه يمنع الاتصال المباشر والصادق مع العالم المحيط بِنَا.

تتعدد الطرق التي يبرز من خلالها هذا الانفصال السلبي، فنحن لا يمكننا التعامل مع الآخرين إذا وضعنا حواجز نفسية، ولا يمكننا الحصول على تقييم دقيق للأمور إذا افتقرنا القدرة على الإنصات بتواضع لمصادر خارجية، ولا يمكننا إدراك الفرص أو صنعها إذا كنّا نعيش بداخل خيالنا الجامح ولا نرى الحجم الحقيقي لما هو متاح حولنا، فحين نستسلم للوهم سنبالغ في تقدير قدراتنا مقارنة بالآخرين،

وإذا بدأت تؤمن بعظمتك فهذا ما يعتبره الكثير من الحكماء بداية نهايتك.

خلال رحلة الحياة نجد أنفسنا في إحدى مراحل ثلاث، نطمح لتحقيق شيء ما إلى أن ننجح، وننجح إلى أن نفشل، أو إلى أن نطمح لتحقيق المزيد، وبعد أن نفشل نبدأ في السعي لتحقيق النجاح مرة أخرى، لكن الغرور عدو البناء وعدو التعافي، فحين تحدث النجاحات بسرعة يتسلل الغرور، لكنه سيكون خطيرا في أوقات التغيير ومواجهة التحديات.

لا يعني ذلك أنك لست شخصا مميزا، ولا يمكنك المساهمة بأثر رائع خلال وجودك على هذا الكوكب، بل على النقيض من ذلك، يستلزم القيام بذلك المزيد من التوازن الداخلي والمناعة المضادة للغرور القاتل، فالمباني العالية المواجهة للريح تحتاج لأقوى الأساسات.