سالم اليامي

لا أحد يعرف إلى الآن على الأقل الطريقة التي جرى بها اعتقال الرئيس السوداني السابق السيد عمر حسن البشير، ولا الطريقة التي أبلغ بها بأنه لم يعد رئيسا، وأنه تقرر اقتلاع الرجل كرئيس، وفترة حكمه كنظام. سيطر على مقدرات السودان لثلاثة عقود، وأهدر الكثير من ثروات السودانيين كما يقولون السودانيون أنفسهم.

الفترة القادمة في حياة السودانيين مسؤولية كبيرة يتحملها الناس، والنخب والقوى السياسية والاجتماعية والعسكرية. وهي مسؤولية متعددة الرؤوس حيث يجب الحفاظ على الزخم الشعبي الذي أنضج الأمور لكي تصل إلى ما وصلت إليه. ويجب أن يكون هناك رشد عالي الوتيرة لدى ما سيقرره من يقودون المرحلة الحالية نحو المستقبل، بكلام آخر، يجب أن تكون الخيارات للمستقبل المتعلقة بشكل الدولة وما حولها واعية ورشيدة وقابلة للحياة لأطول مدة ممكنة. المشجع على رؤية ليست سيئة لمستقبل السياسة في السودان أمران جوهريان هما الزخم الشعبي، الجماهيري، وسرعة تبلور جبهة جديدة تعبر عن الناس هي تجمع الحرفيين أو المهنيين، المهم أن لا تأخذ هذه الأخيرة صفة حزبية خاصة قد لا تحظى بتأييد عامة الناس في السودان.

من كان يتصور أن مظاهرات اندلعت بتاريخ 19 ديسمبر 2018م بسبب رفع أسعار الخبز ثلاث مرات، واستمرت لأربعة أشهر تتصاعد وتثبت مع مرور الوقت انحسار المخيال السياسي لدى الرئيس، والحكومة. حيث فشلوا في امتصاص غضب الناس بطرق سلمية.

الحاضنة الأولى للعمل السياسي في السودان في المرحلة القادمة هي السودانيون أنفسهم، كلهم يقفون على نفس مستوى المسؤولية، والمفترض أن يكون لديهم روح للتحلي بالمسؤولية والعمل السياسي للمستقبل. النقطة الأخرى الأكثر أهمية هي احتضان المحيط الإقليمي للسودان الجديد وذلك بالدعم والتأييد، وبعدم التدخل بشكل أو بآخر في خيارات السودانيين الرئيسية. هذا كله يأتي تأييدا للمصلحة السودانية الخاصة، ويجب أن يكون هناك دعم أمني وسياسي، واقتصادي كضرورات المرحلة المستقبلية.

قبل رحيل البشير بأسابيع قليلة توقعت صحيفة الإيكونيميست بأن الظروف ستلقي بالبشير إلى قارعة الطريق، وسيتخلى عنه أناس أو جهات كثر، دول، وجماعات، ومساندون وظيفيون. وهذا تقريبا ما تحقق، العجيب أن الناس تعاملت وفي وقت وجيز مع صيغتين من صيغ العسكر الأولى كانت مرفوضة بشكل صارخ، وهي لغة ورؤية وزير الدفاع الذي جاء ممثلا وبطريقة تقليدية للنخب العسكرية في السودان، وخلال فترة وجيزة تقدر بيوم واحد استمع الناس إلى لغة أخرى فيها مساحة واسعة من الخيال السياسي ودرجة عالية من اللغة السياسية القريبة من الناس، وهذا ما جاء مع السيد برهان رئيس للمجلس الانتقالي. ما الذي يريده السودان، والسودانيون اليوم؟ الأساسيات الضرورية لأي مجتمع الأمن والاستقرار، والتنمية. هذه الاحتياجات يجب على الناس التحلي بالمسؤولية لتحقيقها، ولا يستغنى هنا عن الدعم الإقليمي فهو ضرورة ملحة في هذه المرحلة الحساسة التي يعيشها السودان. السودان اليوم حقل أخضر يحتاج إلى العناية الفائقة من أبنائه، ولتقديم الدعم اللازم من دول الجوار على المسارات الاقتصادية، والسياسية، والأمنية. ليزهر ذلك الحقل ويقدم أفضل الثمار لأبنائه ولمن حوله من دول الجوار. الصورة العامة لما يحدث في المنطقة يبين لنا أن هناك ضلعا سياسيا أمنيا ملتهبا ينطلق من السودان، ويمر بليبيا وينتهي في الجزائر. هذا الوضع يتطلب أن يكون هناك جهة عربية، دول، وتنظيمات، تسعى جادة لتهدئة الأوضاع في هذه المناطق بإصرار، خاصة إذا ما تذكرنا أن هناك بؤرا لا تزال ملتهبة، وهناك من يسعى لزيادة إشعال النيران بها. المقارنة بين مشهد إقالة الرئيس وما تلاه في الحالتين الجزائرية، والسودانية، تبين لنا أن هناك تشابها في الحالتين، ويكمن الفرق في أن الأوضاع في الجزائر استندت إلى تقاليد المؤسسة الدستورية وإلى حد ما العسكرية، بينما الوضع في السودان استند إلى زخم وغضب الناس.