لمي الغلاييني

إذا أردنا أن نكون سعداء فما السعادة؟ وما الذي يستحق الاهتمام فعلا في هذه الحياة؟ وما أولوياتنا؟.

افترض أنك على فراش الموت، فما الذي تتمنى تجربته مرة أخرى قبل رحيلك؟ هل يوجد ما يثير حسرتك وأنت تذوي بعيدا؟ لا شك أن أول ما سيخطر ببالك هو المزيد من الوقت مع المحبين، وأكاد أجزم بأن معظم الناس في مختلف أنحاء العالم سيجيبون على هذا النحو، أما الأشياء التي لن تخطر على البال أبدا فضغطة أخرى على الهاتف المحمول، أو مشوار آخر للسوق، أو يوم إضافي في المكتب، فالوقت هو عملة الحياة، وإذا استطعت قضاء معظم هذا الوقت بصحبة أناس تحبهم، والخوض في غمار هذا الكوكب الرائع المدهش فإن الأمر سيكون في صالحك بلا شك، ورغم تكرر نفس الأسئلة في أي مجتمع استهلاكي حول كيفية العيش حياة مرضية رغم امتلاك القليل، وتتكرر إجابة الحكماء بأنه لا يفترض أن تكون غنيا لتستمع بحياتك، مع إقرارهم بأن المال قد يساعد كثيرا، لكن العديد من الأغنياء غارقون في فقرهم الخاص ويفتقدون الاستمتاع بحياة هانئة، رغم أن بديهيات الحياة الجيدة في متناول الجميع، بمن في ذلك الأشخاص الذين لا يمتلكون الكثير.

إن محاولة تقديم مفهوم واضح للسعادة للجميع أشبه بمحاربة طواحين الهواء، فهو مفهوم متلبس جدا للأغلبية، وكأنه لوحة فارغة يرسم عليها كل واحد منا رغباته بشكل مختلف، ولذلك فأول ما يجب علينا فعله هو التخلي عن فكرة إحاطة مفهوم واحد عن السعادة بكل ما نقصده بهذه الكلمة عند استخدامها، وأن نعيد صياغة مفهوم السعادة المألوف بجمع الأفكار العشوائية للحديث اليومي عن السعادة، ووضعها في صيغة تساعدنا على إدراكها بصورة أشمل، فبدلا من تأكيد أن السعادة هي (س) فقد يكون من الأفضل القول «قد يكون مفيدا اعتبار أحد أشكال السعادة هو (س)».

لقد تناول علماء النفس السعادة من منظور الرفاه الشخصي وتواجد الرضا عن الحياة مع الحالة الانفعالية الإيجابية، لكننا نلمس تنامي نفوذ الأفكار الرأسمالية الساعية لتحقيق السعادة كمسعى شخصي، بيد أن السعادة لا تبتغى على نحو فردي، فكم سعادتنا يعتمد كثيرا على علاقتنا بمن حولنا، وإنسانية مساعينا، وفي الطريقة التي نختارها لإشباع رغباتنا، وتأثير ذلك في إخوتنا من البشرية والعالم الطبيعي من حولنا، ولذلك فكثير من المناهج المنتهجة للبحث عن السعادة في كثير من الكتب هي نهج غير فاعل بل مدمر للنفس والبشرية.