لمي الغلاييني

يخلط الأغلبية بين «هناك في الخارج» و«هنا في الداخل»، حيث يعتقد أن المال والشهرة والنجاح هي الأسباب، في حين أنها النتائج، وهي نتائج تلقائية لإحساس داخلي من الرضا والتوجه الإيجابي، ومن تصرفك بطريقة محددة تجاه الحياة، وإيمانك بأن مصدر الفرح موجود في كل لحظة ومستقل تماما عن «هناك في الخارج»، فالنجاح والشهرة أشبه بكرة الثلج التي ما أن نشرع في صنعها حتى تتدحرج وتكبر تلقائيا بفضل قوتها الدافعة ودون تدخل، وهذا هو السر الداخلي للنجاح، والنابع من صحة النوايا والبركة واليقين، ولا دخل للمشقة أو الجهد المتوتر في ذلك.

الخطوة الأولى في تحقيق ذلك هي عكس فهمنا للسبب والنتيجة، فالسبب وهو القوة النفسية موجود في الداخل، وما نراه في الخارج هو نتيجة تلقائية لا يمكن إلا أن تحدث بسبب طبيعة القوانين الكونية للحياة، ويخطئ المرء عندما يحسد على النتائج، فهو يحاول التقليد الشكلي، وكي ننجح في حياتنا علينا أن نقلد السبب وليس النتيجة الخارجية.

حين نحقق البراعة الداخلية لن نسعى لإثباتها بتفاخر وتنافس، فالممارس المتميز في فن الكاراتيه لا يخرج الشارع بحثا عن الشجار، وهو يلجأ لعشرات الطرق في تجنب المواجهات العنيفة، لأنه يمتلك ثقة كبيرة بقدراته، لكنه يعلم كيف يوجه يده بدقة، وأين يضع إصبعه بسهولة على المكان الصحيح في الدفاع عن نفسه، والناجح الحقيقي يشبه ذلك تماما، فهو يوجه سهامه نحو المركز والجوهر الصحيح، ولا يخلط بين السبب والنتيجة.

هناك أسطورة يونانية تتحدث عن سيزيف الذي يحاول دحرجة الصخرة لأعلى التل عكس قوة الجاذبية، لكن حركة الصخرة هي الفرق القابل للحساب رياضيا بين القوة التصاعدية للعضلة والقوة التنازلية للجاذبية، وإذا تغلبت القوة الأولى على الثانية سوف تتحرك الصخرة لأعلى التل، وإذا تم عكس التوازن فستتدحرج الصخرة للأسفل، وإن محاولة تسلق سلم النجاح والوصول للذروة من خلال تقليد الخارج شبيه بمعاناة سيزيف، ولقد ذهب قسط كبير من الناس في ذلك الاتجاه، فهم ما أن يفرغوا من متابعة أحدهم في وسائل التواصل أو الصحف حتى يسارعوا لشراء نوع السيارة نفسها، أو ارتداء الفستان نفسه، أو السفر لنفس الأماكن والتواجد في نفس المطاعم، والأمر عقيم جدا، فلا يأتي النجاح من الوقائع والمواقف، أو امتلاك شيء هناك في الخارج، بل تدرك الأمور بامتلاك القوة الداخلية، والعزم الصحيح على تبني الموقف الإيجابي.