د. فالح العجمي

لست مع استخدام أفعل التفضيل في وصف الأشياء أو التعريف بما نتحدث عنه إلى الناس، لكني استخدمت هذه الصيغة؛ لأنها وردت في تصنيف دولي للأغاني العالمية. ففي تصنيف دولي كبير للأغاني التي تتعلق بموضوع السعادة في نصوصها حازت هذه الأغنية على أعلى النسب في الاختيار. وهي تقول في نصها الأصلي:

?Are you ready for some fun

You and me and everyone

This is the happy, happy, happy song

We gonna sing it all night long

This is the happy, happy, happy song

So let›s smile

This is the happiest song

In the world

والنص الإنجليزي يقارب - دون جرسه الموسيقي بلغته الأصلية - النص العربي التالي:

هل نحن مستعدون للمرح؟.. أنت وأنا وكل فرد.. هذه الأغنية السعيدة السعيدة السعيدة.. سنغني طيلة الليل.. هذه الأغنية السعيدة السعيدة السعيدة.. دعنا نتبسم.. هذه أسعد أغنية في العالم.

لكن مجلة دراسات السعادة نشرت دراسة عن 230000 أغنية ألفت منذ 1960م، وكانت النتيجة أن الأغاني أصبحت تتميز مع مرور الزمن بمزيد من الحزن؛ ربما كان منطلق هذا الاتجاه أن الحياة ليست حفلة مرح مستمرة، وأن الابتسامات المستمرة طوال اليوم يمكن أن تؤدي إلى آلام في الوجنتين، بل إن هناك من أكد أن قراءة كتب عن السعادة يمكن أن تجلب شيئا من الكآبة. ومن هنا بدأت التساؤلات: هل السعي إلى السعادة حق للإنسان، أم واجب عليه تجاه نفسه ومن حوله؟

وقد أسهبت الدراسات في أن الناس في كل مكان لديهم الحق في الحصول على نصيب من الأمور والمقومات التي تسهم في سعادتهم (بدأت صياغة الفكرة تصبح سياسية!)، وأن الحكومات عليها واجب توسيع رقعة السعادة للشعب الذي تحكمه. لكن مستوى الحصول على السعادة يبقى فرديا؛ لأن السلطات لا يمكنها أن توفر بعض العوامل التي تقود إلى مستوى أعلى في سلم الترقي فيها، ولا أن تمنع عوامل أخرى سلبية تقود إلى إدخال التعاسة على الإنسان إذا تمادى فيها (على المستوى الأسري وفي علاقات الصداقة والعمل، وفي الطموح الخيالي في بعض الحالات وعدم الرضا عن الأوضاع الحياتية أو الاستمتاع لأي سبب من الأسباب).

فخدمات التعليم والصحة وتوفير الوظائف المناسبة باستمرار، وحماية الناس والبيئة من الأخطار، والاهتمام بمتطلبات الحياة الضرورية الأخرى، ودفع عجلة التنمية إلى الأمام من وظائف الحكومات المفترضة في كل البلاد، وهي من عوامل الاستقرار النفسي للأفراد، والإحساس بالاطمئنان إلى حياتهم ومستقبلهم. لكن جزءا كبيرا من البناء على تلك العوامل لتحقيق حياة سعيدة متوازنة يقع على كاهل الفرد، وربما تتمدد المسؤولية إلى الأسرة وطرق التربية قبل ذلك، وكذلك إلى مؤسسات المجتمع المختلفة من مدارس وإعلام وفنون (بما فيها نوع الأغاني المنتشرة والأفلام والمسرحيات المقدمة في الساحة الثقافية)، إضافة إلى الحس الجمعي تجاه استقلالية الفرد وحقه في الاستمتاع بحياته كما يشعر بأنها تجلب له مزيدا من المتعة، وبالطريقة التي يرى أنه يحقق ذاته فيها، سواء كان عملا في وظيفة أو دراسة في تخصص، أو هواية وممارسات يومية وخيارات في الحياة. فهل يعي الأفراد أنفسهم لدينا، والمسؤولون عن مؤسسات معنية بالتربية والتعليم والإعلام والثقافة هذه القضايا؟