لمي الغلاييني

حين يبهرنا إبداع بعض الأشخاص لا نسأل كيف وكم استغرق ذلك ليحصل، بل نبتهج من واقعه النهائي كما لو أنه خرج من باطن الأرض بشكل عجيب، بمعنى آخر فإننا نفضل أن نصدق بأن هذا الشخص ولد مختلفا بطريقة لا يستطيع أحد منا أن يبلغها، فحبنا الزائف لأنفسنا وتفاخرنا بها يدفعنا لترويج نظرية العبقرية الانتقائية، لأن إضفاء طابع الأسطورة على الموهوب يمكننا من الإفلات من المواجهة الشخصية، والاسترخاء في وضعنا الراهن.

إن ترويجنا المخادع لنظرية ذلك الكائن العجيب والعبقري يجعلنا في منأى من مقارنة أنفسنا به، ومن ثم اكتشافنا للافتقار إلى العزيمة والانضباط الكامنين خلف تلك العبقرية التي ينجزها أولئك الأفراد الذين اختاروا تركيز تفكيرهم في اتجاه واحد، فهم لا يفترون عن مراقبة الحياة من حولهم ودمج كل الوسائل المتوفرة لهم بذكاء ورؤية.

قد لا يمر يوم لا نسمع فيه كلمة موهبة، سواء في وسائل التواصل الاجتماعي والصحف والتلفاز، حيث تكثر الأخبار والصور عنهم، فعندما يحقق أي شخص إنجازا يستحق، نهرع للكتابة عنه ومدحه باعتباره «موهوبا»، لكننا نغفل أننا حين نبالغ في شأن الموهبة سنقلل من شأن العديد من العوامل القوية المساهمة في تحقيق نجاح ذلك الشخص.

إن ذلك الإنحياز اللاواعي لفكرة الموهبة، وأن قلة فقط تقف فوق البقية بفضل ميزة فطرية، سيضلل فهمنا ونصائحنا لأولادنا، لأنك لو شاهدت تسجيلا متتابعا بالساعات والأيام والأسابيع والسنوات التي سبقت المشهد الأخير لتفوق ذلك الموهوب، لاستنتجت بنفسك أن المستوى المرتفع للأداء هو في الواقع تراكم وتعاظم مستمر لجهود متتالية مكثفة بنكهة العزيمة.

إن الأداء الفائق لأي موهوب أو مبدع هو في الواقع احتشاد لعشرات المهارات أو النشاطات الصغيرة التي ترسخت كلها لتصبح من العادات البديهية لذلك الشخص، ولا شيء سحريا أو معجزة لكنها تتم بشكل متناغم وتتضافر مع التدريب والعزيمة والمثابرة لتنتج في النهاية أداء متفوقا لذلك الشخص، لكننا نغفل أحيانا عن رؤية أو فهم ذلك ونفترض أنه تلقائيا موهوب بالفطرة، مما يجعلنا نصل لاستنتاج مهم وهو أن التركيز على مفهوم الموهبة كثيرا ما يلهينا عن تقدير أهمية الجهد، وأننا بتسليطنا الضوء على عبقرية البعض نخاطر بترك كل بقية العوامل الأخرى كالعزيمة والشغف والانضباط في الظل.

باختصار، مهما يكن الميدان فإن لدى هؤلاء الناجحين المبهرين نفس التركيبة من الشغف والمثابرة والتصميم الحاد الذي يتمظهر في إصرارهم العميق نحو مايريدون ومرونتهم في اجتياز كل ما يقف في طريقهم، فالعزيمة هي كلمة السر.